الناقدين. ألا تريد صورة تنشرها مع المقال؟ ثم أسرع ذلك الرجل الذي لا يعرف التعب إلى مكتبه وجاءني بأقاصيص من الورق مكتوبة بخط يده، فلم أستطع أن أخفي دهشتي، ولكن صاحبي مضى في حديثه قائلا: أليس هذا كل ما تحتاج إليه؟ أظنك تريد أن تعرف كيف أكتب، سأخبرك حالا: إني أعمل أربع ساعات في اليوم ولا أكتب أكثر من خمسين صفحة في جلسة واحدة. إني لا أستعمل الكتب القديمة ولا المعاجم البالية، لأني صنفت كل مواد الكتابة تصنيفا جديدا. ففي هذا الصندوق تجد الصفات، وفي ذلك تجد التشابيه والاستعارات، وفي الثالث تجد المتناقضات، وفي الأخير تجد أوصاف المناظر الطبيعية، وفي ذلك الذي عن يمينه تجد الأوصاف الغريبة لجميع الناس. أما الذي عن يساره فقد جمعت فيه كل عناوين القصص والمسرحيات. أظنك الآن تستطيع أن تفهم أن عملي ليس شاقا جدا بفضل هذا الترتيب. إني أكتب بدون تفكير كأني آلة: فإذا أردت أن أكتب شيئاً فما علي إلا أن أضع يدي فأخرج كل ما أحتاج إليه. إني لست أحد أولئك البلهاء الذين ينتظرون الوحي والإلهام، فإنني أكتب بانتظام وفي أوقات معينة. فماذا ترى في هذا؟ فحاولت أن أتكلم ولكني لم أستطع. فمضى صاحبي يقول:(أخبرني. ألا يمكن أن تؤدي لي عملا في إيطاليا؟ ألا يمكنك أن تنقل بعض كتبي إلى الإيطالية؟ إني أعطيك ٤٠ % في المائة من الأرباح وحق النشر في بلادك. دعنا نكتب العقد.
ومن حسن الحظ أن دق جرس التليفون في الغرفة الثانية فأسرع إليه الرجل دون استئذان، ولكنه ما لبث أن جاءني يقول: عفوا إن ناشري كتبي في ميونيخ يطلبوني. دعنا نستأنف حديثنا. قل لي بصراحة: ألا تستطيع أن تقوم بهذا! فنهضت مذعورا وأنا أعجب أن تكون هذه اليد الغليظة قد جرت بتلك الروائع الخالدة، ثم صوبت نظري إلى الباب ولكنه لم يكد يراني أنهض حتى صاح: ألا تنتظر الشاي! إن زوجي وطفلي سيعودان حالا وسنتناول الشاي معاً. ألا تريد أن ترى طفلي؟ إنهما طفلان جميلان، أحدهما في السابعة والآخر في الحادية عشرة، إن زوجي تجيد العزف على (البيان) وتتقن فن التصوير. إن هذه اللوحات الفنية التي تراها على الجدران من ريشتها، فقبعت في كرسي وأنا أتفرس في وجه ذلك الرجل الذي لم يفتأ يقوم ثم يقعد ويفتح الأدراج ثم يقفلها وأخيراً قال لي: هنا تجد الطبعة الأولى من كتبي، وفي الدرج الآخر تجد الطبعات الثانية، وتحتها التراجم. إنه محصول