تزال على الأرض، فأشرت إليها فتناولها وقال:(هذه) وجعل يقلبها في يديه مستغربا، ثم طلب أن أدعها له، فقلت:(خذها يا سيدي) فما لها قيمة في الحقيقة فإن ثمنها لا يزيد على قرشين، ولكن معلمي كان ممن يخلقون من الزبيبة خمارة عظيمة
ومضى بها صاحبي ونسيت الأمر كله جملة وتفصيلا، وإذا به بعد سنة أو نحو ذلك يقول لي أنه يتعلم العزف على الكمان وإن الدافع له على ذلك والمغري به كان هذه الفرس التي ظل بضعة شهور يخرجها من مكانها كلما خلا إلى نفسه ويتأملها
وهو الآن من خير هواة العزف على الكمان
قلت:(وأنت)
قال:(أنا. . انقطعت عن الدرس. . لم أجد أستاذا أقدر منه أو مثله قدرة وإن كنت وجدت كثيرين أرحب صدرا. . . على أني كنت أدور على المعلمين كارها وبي فتور شديد فكففت)
قلت:(هل تعلم أني أنا أيضاً تعلمت العزف على الكمان. . ظللت أتعلم أكثر من سنة. . فلو أني واظبت لكنت الآن من أمهر العازفين على هذه الآلة. . خمس وعشرون سنة. . من يدري. . لعلي كنت خليقا أن أتحول عن الأدب إلى الموسيقى. ولكن قلة الصبر. . والخجل من أن يسمع الجيران الأصوات النابية التي أخرجها. . والاستحياء من أن يعرف عني أني مبتدئ، كل هذا صرفني. . كما صرفتني عوامل أخرى عن الشعر. .)
فابتسم وقال:(والآن؟)
قلت:(الآن. . أنا الذي كنت خليقا أن أكون شيئا. ولكن. . لا بأس. . أرانا بعدنا جدا عن الموضوع)
فابتسم مرة أخرى وقال (لا بأس. .)
قلت:(صدقت. . كل شيء ككل شيء في هذه الحياة. . هبني كنت الشيء الضخم الذي كان يغريني الصبى والخيال الجامح بالطمع فيه والتطلع إليه فماذا إذن؟.)
قال:(كنت تكون أشد رضى عن نفسك)
قلت: (كنت أشعر. . كلا. . كان رأيي في نفسي يبقى كما هو. . ربما غرني رأي الناس أحيانا، ولكن بلائي أني حين أغتر أدرك أني مغتر فيسلبني إدراكي هذا متعة الغرور. .