نرى هانيبرج يدرس نظرية المعرفة لدى أبن سينا والبير لجراند. وفي أوائل القرن العشرين كتب فنتر في إحدى صحف مونيخ العلمية مقالاً طويلاً عن الجزء السادس من طبيعيات الشفاء المترجم إلى اللاتينية، وهذا الجزء هو الذي يدرس فيه أبن سينا النفس وقواها وفي سنة ١٩٢٩ وفى المسيو جلسن مؤرخ الفلسفة المدرسية وأستاذها في (كوليج دي فرانس) هذا الموضوع حقه من البحث، وبين أثر أبن سينا في هذا المضمار بما لا يدع مجالاً للشك
وفي اختصار يمكننا أن نقول إن علم النفس عند ابن سينا كان أعظم حظاً من أجزاء فلسفته الأخرى وكان نصيبه من الدراسة والبحث أكبر منها جميعاً، بيد أن هذه الدراسات على اختلافها ناقصة وغير مقنعة. فبعضها لا يخرج عن ترجمة حرفية أو ملخص غير كامل لآراء أبن سينا. وبعضها يعنى بهذا الفيلسوف لدى اللاتينيين أكثر من عنايته به لدى العرب، ويفصل القول في أثره في الغرب تاركاً جانباً ما كان من أمره في الشرق، وأغلبها ينسى الأساس اليوناني الذي بنى عليه فلسفته عامة وأبحاثه النفسية خاصة. وسنتتبع هنا آراءه النفسية المختلفة مبينين أولا صلتها بالوسط الذي نشأ فيه وبالأفكار الإسلامية على العموم وباحثين ثانياً عن منابعها لدى فلاسفة اليونان وأطبائهم، ومظهرين أخيراً ما كان لهما من أثر في الشرق والغرب.