أطباء وفلاسفة اليونان. فقد كان أمامه تراث عظيم خلفه أفلاطون وأرسطو وجالينوس وأفلوطين أفاد منه كثيراً وعول عليه التعويل كله. وإليه يرجع الفضل في عرض هذا التراث في صورة واضحة مهذبة لم نعهدها عند سابقيه، وإذا كان قد فاته أن يتوسع في دراسة المخ والظواهر النفسية دراسة تجريبية فإنه لم يفته أن يفتن في البرهنة على وجود النفس وخلودها افتناناً يستلفت النظر ويستحق التقدير. ولعل ذلك راجع إلى أن النزعة الميتافزيقية والفلسفية البحتة غلبت عليه في كل أبحاثه النفسية
وبالرغم من أن أبن سينا عالة على السابقين في أغلب آراءه المتعلقة بالنفس وأحوالها فإنه قدر لهذه الآراء نجاح عظيم في القرون الوسطى ولدى بعض رجال التاريخ الحديث، فكانت عماد علم النفس جميعه في العالم العربي منذ القرن العاشر الميلادي إلى أخريات القرن التاسع عشر؛ وخلفت آثاراً واضحة في الفلسفة المدرسية اليهودية والمسيحية؛ واتصلت بنسب إلى بعض ما جاء به ديكارت في حقيقة النفس ووجدوها. وقد عرف لها الباحثون المحدثون هذه المنزلة فسارعوا إلى دراستها وجمع مصادرها وبيان أثرها في المدارس الغربية. وربما يكون البادرون كارادي فومن أول من لخصوها وحاولوا إعطاء فكرة عنها. فقد عقد لعلم النفس السينوي (نسبة إلى أبن سينا) فصلاً في كتابه المسمى: ثم جاء الدكتور صليبا أخيراً فتوسع في هذا الموضوع قليلاً في رسالته التي تقدم بها إلى السربون للحصول على الدكتوراه. أما من اشتركوا في نشر مؤلفات أبن سينا السيكولوجية فيجب أن نشير أولاً إلى الدكتور صمويل لانداور الذي نشر رسالة القوى النفسية المهداة إلى نوح بن منصور الساماني سنة ١٨٧٥؛ وقد وفق في عمله هذا كل التوفيق وأحاطه بوسائل الدقة والبحث الصحيح فاعتمد على أصول عربية وعبرية ولاتينية ليختار النص المناسب والتعبير المقبول؛ ولم يفته أن يرجع إلى المصادر اليونانية رجاء أن يوضح بها بعض عبارات أبن سينا. وعلى ضوء مجهوده العظيم استطاع فنديك بعد ذلك بنحو ٣٠ سنة أن يعيد نشر هذه الرسالة مرة أخرى مع ترجمة إنجليزية دقيقة وفي العام الماضي نشر ثابت أفندي الفندي أحد خريجي كلية الآداب ومبعوثها الآن في باريس رسالة أخرى في معرفة النفس الناطقة وأحوالها. ويظهر أن أثر أفكار أبن سينا السيكولوجية في المدارس المسيحية قد شغل الباحثين ومؤرخي الفلسفة من قديم. ففي النصف الثاني من القرن الفائت