تلك أنشودة الموت، مازالت تتردد في أعماق صدره، وتنتشر في أنحاء نفسه. وتلك الزفرات المتصاعدة والتنهدات المرسلة، والأنات المخنوقة، والأنفاس المتحشرجة، لهي آهات الحبيب، وزفرات الخليل، وانتحابات الولهى، تضطرب وتتراجع، تتقدم وتتأخر، حول سرير الموت.
الناقوس الصغير مازال يرسل الهمسات، ويعلو بالخفقات. أصواته التي تطويها معالم الفضاء تنبئ الأحياء أن شقياً بائساً رحل، ومكدوداً تاعساً إلى هوة القبر نزل
أحييك أيها الموت، أيها المنقذ السماوي، سوف لا تظهر أمام ناظري بهيئتك المرعبة، وبزتك الموحشة، وطلعتك المشؤومة. إن يمينك سوف لا تشارفني بمرهف ماضيك، أني لا أرى تجهم وجهك، ولا أقرأ في عينيك معالم الجريمة والخيانة، فأنت الذي تنقذنا من آلامنا، تخفف من أحزاننا، تأخذ بيمنانا لتقودنا إلى حيث الرب الرحيم تستعدي رحمته على نكباتنا، وتستنزل رأفته على ويلاتنا.
إنك لا تميت بل تنقذ؛ إنك لا تهلك بل ترحم؛ إن يدك يا رسول السماء تحمل إلي نبراساً إلهيا، يوم تغمض عيناي الكليلتان أجفانهما. تأتي تحت الأضواء المنعشة لتبلل ناظري، وتغمض عيني، والأمل إلى قربك يطفر، يظلله الأيمان، تشده التقوى، فتفتح أمامي عالماً رائعاً
إلي أيها الموت. أقبل واكسر عني أغلال الجسد. بدد عن نفسي قيود الأوصال. أفتح باب سجني واكسر مغالق حبسي وأعرني أجنحتك الرفرافة، وقوائمك الهفهافة. ماذا يمنعك عني؟. لماذا تتأخر؟ ماذا يعيقك عن زيارتي الأخيرة؟ تقدم إلي. فإني أريد أن أرمي بنفسي نحو ذلك الكائن المجهول، حيث أعرف سر حياتي ومماتي
أي شيء فصل عني؟ من أنا؟ ومن سأكون؟.
أموت ولا أعرف ماهية الحياة وسر الوجود، وأذهب وأنا أجهل ما البقاء! ما أنت أيتها الروح المبهمة، أيها الطيف المجهول؛ أيها السر الغامض. قبل أن أردى في لحدي أريد أن أسألك: أية سماء بحقك تسكنين؟ وفي أي عالم تعيشين؟ وأي قدرة إلهية رمتك إلى هذه الكرة المحطمة، حيث عالمنا الضعيف الهشيم، وأي يد إلهية قذفت بك إلى سجنك الفخار، واعتقلك في محبس الطين؟ وأي سر عجيب ربطك بالجسد وربط الجسد بك وأي يوم