للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تنسلخ الروح فيه عن المادة؟ وتصبح عالما بنفسها، تقوم بأودها دون أن تعتمد على الجسد البالي والجسم الفاني؟

إلى أين تذهبين؟ أتتركين الأرض الجميلة لترحلي إلى قصر منيف؟ هل نسيت كل شيء؟ أم لا زلت تذكرين؟ إن هناك القبر، فهل ستبعثين إلى عالم مجهول جديد؟ أتعودين إلى حياة أشبه وعالم أحكى وأمثل إلى حجر الله، حيث رأيت أشعة الحياة ولمست معالم الوجود. أم إنك ستفصلين من كل شيء تدب إليه يد الفناء؟ وتسير في عروقه دماء البلاء

أستنعمين بمناعم الخلود الأبدية وتلعبين في الجنان غير البالية؟

نعم، هذا أملي الوحيد يا نصف حياتي. تلك هي الأمنية التي بها رأت الروح التي تضيء جوانب صدري طرق الحياة. وكانت عزاء نفسي المتألمة التي قضي عليها بالسجن في هذا الجسد البالي. شهدت ربيع حياتك يرحل وألوانه البهيجة تموت وتذبل، وزهوره المتلألئة تسير نحو هوة الفناء، والحزن مازال يفتك بي، والموت يدير مني الخطوات وأنا أجود بالنفس الأخير، ترتسم على شفتي الابتسامة، وتنهمل من عيني دموع الفرح، مقدماً إليك كلمات الوداع الأخير، منتظراً نظراتك لتشع في عيني قبل أن يغمضهما الموت

أولئك الذين تعلقوا بأذيال المادة، وكانوا أشبه بالقطيع، يسيرون وراء راعيهم (أبيقور سيهتفون (يا له من أمل كاذب خلب قد مضى ورحل، عندما يرون معالم الدنيا قد قضت وانتهت

وذلك العالم الذي مازال يفحص أسرار الطبيعة يود اكتشافها، يدرسها في زاوية مهملة تسمى العقل. سيقطع الدهر في فهم كنه المادة، يعيش في عالم الملموسات، يغفل عن الروح ولكنهم سيهتفون به:

أيها الأحمق، أي كبر سخيف يكسوك؟ أنظر حولك! تأمل بناظريك! كل يبتدئ لينتهي، وكل يدب نحو الفناء دبيبه. إن سيرك نحو هدف ممثل، والى غاية نهائية هي (هوة الموت)

انظر إلى الحقل وقد علت أوراقه صفرة الذبول! ألا ترى الزهرة تتعب وتضمحل ثم تلفظ الأنفاس؟ ألا تشهد في هذه الأحراج الملتفة تلك السدرة العظيمة بجبينها الشامخ ونظراتها إلى العلياء كيف هوت تحت ثقل السنين ورزحت تحت أعباء الدهر، ثم امتدت على العشب النضير المنتشر على البطحاء الأرض؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>