ونرى أثر ذلك في مدرسة (أثينا) الفرنسية التي أخذت تنهج في الدرس نهجاً حديثاً، وفي بقية مدارس أنشئت لهذه الغاية كمدرسة (روما) ومدرسة القاهرة، وفي بعض مجلات علمية أنشئت لتعمل على تشجيع هذا المذهب الجديد!
وقد سرى هذا الارتجاج إلى الفلسفة فخالت أن العلم يبدل منهجها. وبدا أثر هذا الارتجاج في الدراسات النفسية التي كانت تعتمد على الدرس الباطني فبدل نوع هذا الدرس وجاءوا بعلم جديد لدرس النفس لا يعتمد إلا على الفحص والتجريب والبرهان. وخزانة الفلسفة الفرنسية لا تزال طافحة بهذا النوع الجديد من الدرس كآثار الفيلسوف (ريبو) في معالجة أمراض الذاكرة والإرادة والشخصية. وكلها أبحاث قائمة على الفحص العلمي والبرهان العملي الذي لا مجال للخيال فيه وهي تثبت أن أصول علم النفس الروحاني لا تتلاءم مع الأعمال، وأننا بدرسنا - علمياً - لفساد المادة الدماغية ندرس كذلك فساد الفكرة التي لابد أنها مظهر من مظاهرها واثر من تأثيرها.
أما علم درس المجتمعات فهو لا يشبه العلم فحسب، بل يجب أن يكون علماً صارماً في تطبيق مبادئه وفي تطبيق نتائجه، كما هو الحال في علوم الطبيعة ولم ينشأ هذا العلم في فرنسا إلا بعد عهد، ولكن هذا لا يمكن أن يكون وليد المذاهب العقلية. وإنه علم ومنطق يراد به خلق أصوله ومذاهبه. وقد وقف العالم (دور كهايم) جهوده على القول بأن الحوادث الاجتماعية هي حوادث مخصصة معينة يجب اعتبارها كأنها خاضعة لقوانين خاصة يكتشفها علم الاجتماع كما يكتشف علم الطبيعة قوانين الطبيعة
وهنالك فئة علمية تدين بالعلم. هذه الفئة التي قدم لها (رينان) كتابه (مستقبل العلم) هذه الفئة هي التي مشت وراء تعاليم (دارون) وعلى هذه الفئة ثبت مستقبل العلم ومستقبل الديموقراطية، وفي الحقيقة كانت الجمهورية الفرنسية متقلقلة متزعزعة حتى عام ١٨٨٠، فتألب رجال السياسة والصحافة على استنقاذها من مأزقها، فعمدوا إلى التبشير بكلمات (برتلو) بالمساواة والحرية والاتحاد والسعادة، بالعمل على تأييد العلم الذي يجازى العاملين من أجله بالسلامة والعافية ورفاهية العيش، وهو الذي سيحل عقدة الحياة والوجود.
إن هذه الرقية العلمية غزت الأدب فيما غزت وكان لها فيه تأثير بليغ.