ثم انتقل الكاتب إلى الكلام عن الدستور النمسوي فبين لنا كيف تخلص ذلك الشعب بعد جهاد طويل من أغلال الإمبراطورية النمسوية التي قيدته زمناً طويلاً. فما أشرق عام ١٩١٨ حتى هب الشعب يطالب بحقوقه. فسن لنفسه دستوراً ووضع السلطة كلها في يد المجلس الوطني، وهذا المجلس له حرية مطلقة في تحديد انعقاده وتأجيله ولا يمكن لرئيس الدولة أو الوزارة التدخل في ذلك. وفي أثناء الحل والعطلة تقوم مقامه لجنة تراقب أعمال الحكومة. . وإذا خالف الرئيس أو الوزارة قواعد الدستور حوكموا أمام المحكمة الدستورية. والدستور النمسوي منظور فيه إلى الدستور الألماني ومقتبس منه في بعض أجزائه.
أما الشعب التشيكوسلوفاكي الذي نزلت به ضروب الظلم، وصنوف الإرهاق أيام الإمبراطورية النمسوية فأنه انتهز فرصة انهزامها سنة ١٩١٨، فأعلن استقلاله، وسن لنفسه دستوراً مقتبسا من دساتير العالم الأخرى. ونص فيه على وجوب دوام الحياة النيابية وذلك بتأليف لجنة من ٢٤ عضواً ستة عشر من الشيوخ وثمانية من النواب، تزاول عمل البرلمان في عطلته وذلك لضمان وجود السلطة التشريعية حتى لا تستأثر السلطة التنفيذية بالأمر
ومما يلاحظ في الكتاب أن الدساتير الثلاثة التي اختارها الأستاذ متشابهة إلى حد ما، ويشمل ذلك التشابه أيضاً نظام الحكم في هذه الدول الثلاث (الحكم الجمهوري) فلو أن الكاتب الفاضل اختار لنا صوراً مختلفة من الدساتير العريقة الأخرى التي يمكن للشعب أن يفيد من تجاربها الدستورية لجاء الكتاب جامعاً شاملا.
والكتاب - في دقة آرائه وبحوثه - مجهود موفق نشكره للأستاذ، وقدوة طيبة نرجو أن نجد في مصر من يقتدي بها، وثمرة تبشر باهتمام الكتاب بالناحية الدستورية، ومساهماتهم في تربية هذا الشعب تربية دستورية صادقة.