للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأما كلمة (صاغ) التي تدل على إحدى الرتب العسكرية في مصر، فتركية أيضاً؛ غي أنها لا تستعمل في التركية للدلالة على رتبة من الرتب العسكرية أبداً. لأن معناها اللغوي عبارة عن (أيمن)، نظراً لرتبته العسكرية. وأما كيف صارت هذه الكلمة لقباً لإحدى الرتب العسكرية في مصر، فلا يتضح إلا بمراجعة تاريخ الألقاب العسكرية في تركيا: إذ يوجد في الجيش التركي رتبة عسكرية تسمى باسم (قول أغاسي) بمعنى (آمر الجناح). وبما أن القطع العسكرية كانت تقسم إلى جناحين، كانوا يقسمون هذه الرتبة قبلاً إلى درجتين فيسمون الأولى (صاغ قول أغاسي) بمعنى (آمر الجناح الأيمن)، ويسمون الثانية (صول قول أغاسي) بمعنى (آمر الجناح لأيسر). غير أنهم وحدوا الدرجتين مؤخراً، فحذفوا كلمات (صاغ) و (صول) من هذه الألقاب، واقتصروا على تسمية الرتبة بـ (قول أغسي) أي (آمر الجناح). ويظهر أن لفظ (صاغ قول أغاسي) كان يستعمل في مصر أيضاً؛ غير أنه أختصر مؤخراً، بدون ملاحظة معاني الكلمات التي يتألف منها، فجرى الاختصار عن طريق حذف الكلمتين الأخيرتين، والاحتفاظ بالكلمة الأولى وحدها. وبما أن الصفة في اللغة التركية تتقدم على الموصوف، كما أن المضاف إليه يتقدم على المضاف، صار هذا الاختصار بمثابة حذف كلمتين (آمر) و (الجناح) والاحتفاظ بكلمة (الأيمن) وحدها، وبهذه الصورة أصبحت كلمة (صاغ) التركية، التي تدل على (اليمين) أو (الأيمن)، اصطلاحاً على الرتبة من الرتب العسكرية المصرية

غير أن الكلمات التركية المستعملة في الجيش المصري لا تنحصر في أسماء الرتب العسكرية التي أسلفنا ذكرها. بل أن المصطلحات العسكرية التالية أيضاً تمت إلى منشأ تركي صريح؛ بلوك، تابور، آلاي، أورطة، قيشلاق، قره قول، طوبجي، نوبتجي. .

إن كلمة (اورطة) تستحق النظر والتأمل بوجه خاص: فأن هذه الكلمة من التعبيرات الدارجة في تشكيلات مصر الدارجة وهي تدخل في التراكيب مثل الكلمات العربية، فيقال مثلاً (الاورطة الثالثة) و (استعراض الأورطتين) وأعلام الاورط، كما يقال (اورطته، اورطتيه، اورطتيهما. . .). . مع إنها من الكلمات التركية المهجورة في تركيا نفسها فان استعمالها في الجيش التركي قد بطل منذ عهد بعيد، يرجع إلى تاريخ إفناء الانكشارية، وإحداث النظم العسكرية الجديدة: ومن المعلوم أن المدة التي مضت منذ ذلك التاريخ تناهز

<<  <  ج:
ص:  >  >>