تراثنا العربي وتراثنا المصري بنوع خاص؛ وهي أسباب سياسية واجتماعية لا نرى محلاً لاستعراضها في هذا المقام؛ بيد أنه يجدر بنا أن نشير هنا إلى سبب مادي واضح، هو أننا لم نوفق حتى اليوم سواء في برامجنا الدراسية أو في بحوثنا الأدبية إلى تقديم الأدب العربي في مثل تلك الصور الأنيقة الشائقة التي يقدم بها الأدب الغربي إلى قرائه؛ ومن ثم كان انصراف الشباب عن الأدب القومي إلى صنوف منوعة من الأدب الغربي يجد في قراءتها كثيراً من المتاع العقلي، فيؤثرها بعناية وفراغه، ولا يستطيع أن يتذوق بجانبها شيئاً من ذلك التراث الذي ما زال يغمره القدم وما زال يقدم إليه في صور العصور الوسطى
وإذا كنا قد دعونا منذ أعوام إلى العناية بدراسة الأدب المصري الإسلامي، وإذا كنا نرى وجوب التخصص في دراسة هذا الادب، فليس ذلك فقط لأن البواعث القومية تدعو إلى مثل ذلك في كل أمة حية تشعر بماضيها وتعتز بتراثها القومي، بل لأن هناك أيضاً من البواعث العلمية والثقافية والتاريخية ما يدعو إلى اعتبار الأدب المصري الإسلامي وحدة أدبية مستقلة بين تراث الأدب المصري الإسلامي وحدة أدبية مستقلة بين تراث الأدب العربي العام، تستحق أن تدرس على وحدة؛ وأن تدرس على حدة؛ وأن تدرس خواصها وتطوراتها دراسة خاصة، كما يدرس الأدب العباسي أو الأدب الأندلسي
بل نستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول إن الأدب المصري الإسلامي يستأثر بمميزات خاصة قلما توجد في فرع آخر من الأدب العربي؛ نعم إن الأدب العباسي والأدب الأندلسي، وأدب الشام، وأدب شمال أفريقية يمتاز كل منها بمميزاته الخاصة، من إقليمية، واجتماعية وسياسية، ولكن الأدب المصري فضلاً عن احتفاظه بمثل هذه المميزات العامة يمتاز أيضاً بطابعه المصري العميق؛ وتبدو هذه الخاصة واضحة في كل فنونه ومراحله، وتكاد تغلب على كل خواصه الأخرى؛ وذلك يرجع إلى عوامل تاريخية وثقافية خاصة؛ فقد اتخذت الحضارة الإسلامية في مصر طابعها الخاص؛ وكان قيام الأزهر بالقاهرة منذ منتصف القرن الرابع عاملاً جديداً في توكيد هذا الطابع الخاص للأدب المصري؛ ولما انهارت الخلافة العباسية في المشرق وفرت العلوم الآداب الإسلامية أمام الغزاة البرابرة من السلاجقة والتتار، تبوأت مصر زعامتها الفكرية في المشرق، ولبثت القاهرة بجامعتها