للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سير الأبطال، فحفل الأدب الإنجليزي بذكر البطولة وتمجيد الأبطال، سيان إنجليزيهم وأجنبيهم، تاريخيتهم وخرافيتهم، عجت بذكر هؤلاء وأولئك روايات شكسبير، وتفنن سبنسر وتنيسون في سرد قصص آرثر وفرسانه، واستعار شلي أبطال اليونان وآلهتهم لبعض مواضيعه، كما في قصيدته (بوميثيوس المقيد) ولم يألُ سكوت جهداً في تصوير بطولة القرون الوسطى في قصصه

تناول الأدباء سير أولئك الأبطال بالدراسة الفنية لشتى الأسباب: لما ركب في الطبع الإنساني من عبادة الأبطال والشغف بحديثهم، ولما يُضفيه مجدهم وبأسهم على الموضوع التناول من عظمة وجلال، ولما يبعثه حديثهم في النفس من تسام وصبوٍ إلى المثل الأعلى، وما يبثه ذكر أبطال الوطن في نفوس أبنائه من فخر وثقة؛ فلعباده البطولة في إطلاقها وتمجيد العظمة الإنسانية في عمومها تناول شكسبير سير قيصر وبروتس وكريولانس وعطيل بالوصف، وكتب ماثيو ارنولد قصيدته الطويلة سهراب ورستم، ولتبجيل البطولة القومية والاعتزاز بأبوة الوطن الذين شادوا مجده تناول شكسبير مواقف هنري الخامس في حرب مائة العام، وألف سكوت قصصه الاسكتلندية مثل خرافة منتروز وكونتين دروارد

ولم يقتصر أدباء الإنجليزية في تمجيدهم للبطولة واحتفائهم بالأبطال على الماضي الخرافي أو التاريخي البعيد، بل التفتوا إلى الحاضر والماضي القريب، ووفوا أبطال جزيرتهم الذين وطدوا مكانتها وأعلوا كلمتها حقهم من الذكر والتعظيم، في جانبي المنثور والمنظوم؛ بل كان الأبطال الخرافيون يستعارون أحياناً رموزاً للعظماء المعاصرين، كما فعل ادمزند سبنسر في قصته الشعرية (الملكة الحسناء). وكما قيل أن شكسبير قد قصد من الزمن لشخصية هملت إلى شخصية إرل إسكس؛ وقد أحتفل سوذي وكاميل وتنيسون وما كولي نتمجيد أبطال الإنجليز وعظمائهم في البر والبحر أمثال نلسون وولنجتون وكلايف. وكتب كارليل كتابه (الأبطال وعبادة الأبطال) فأسهب في الكلام على مظاهر البطولة في شتى الأزمان والأمم، واثر الأبطال في تقدم العمران البشري وما هم جديرون به من حفاوة

فالأدب الإنجليزي، بعد انقضاء عصر الأبطال المحاربين، لم يخل من ذكر البطولة وتمجيد الأبطال، بل ظل معنياً بأبطال الماضي ولم يجعل الحاضر دبر إذنه: لأبطال الماضي البعيد بوقائعه الخارقة التمجيد والتصوير الفني المبالغ المغرق في الخيال والشاعرية، ولأبطال

<<  <  ج:
ص:  >  >>