وكلتا الأمتين العربية والإنجليزية قد مرت في استقرارها وتحضرها بعصر أبطال ترك أثره في أدبها: وعصر الأبطال في التأريخ العربي هو عهد الجاهلية الذي انتهى بظهور الإسلام وظهور الأمة العربية في ضوء التأريخ المستيقن، فالجاهلية العربية شديدة الشبه بالعصر الهوميري: فيه كانت الأمة منقسمة على نفسها لا تفتر عن القتال، ولا يزال يظهر فيها من الأبطال أمثال عنترة ومهلهل ودريد بن الصمة، ولا تزال تتحدث بأيام المواقع وتتفاخر وتتنافر كما تفاخر أبطال الحروب الطروادية، ولولا أن الإسلام وضع حداً فجائياً لذلك العصر، لما بعد أن تتجمع أشعاره وأقاصيصه في ملحمة أو ملاحم كبرى؛ وكان العرب على تفرقهم يشعرون بوحدتهم في الجنس واللغة ويجتمعون في مواسم الحج وأسواق التجارة والأدب، كما كان اليونان يجتمعون في دلفي وأوليمبيا، وكما كان اليونان يزدرون غيرهم ويلقبونهم بالبرابرة كذلك كان العرب يعتدون بعربيتهم ويلقبون غيرهم بالاعاجم، ولم يفتهم أ، يجمعوا شملهم تحت لواء العربية لدفاع الفرس في موقعة ذي قار، كما فعل الإغريق من قبل إذ تجمعوا بزعامة أثينا لرد عادية الفرس أيضا، وفي موقعة ذي قار يقول الأعشى:
لما أمالوا إلى النشاب أيديهم ... ملنا ببيض فظل الهام يقتطف
وخيل بكر فما تنفك تطحنهم ... حتى تولوا وكاد اليوم ينتصف
ومر الإنجليز بمثل ذلك العصر في عهد استقرارهم في الجزيرة، وأهم الآثار الأدبية المتخلفة عن ذلك العصر ملحمة بيولف التي تصف كيف تغلب أمير إنجليزي على وحش هائل أقض مضاجع بعض الملوك المجاورين، وذلك العصر في التاريخ الإنجليزي شديد الغموض، ولغموضه ذاك رُدًّت إليه خرافات لعلها لم تكن منه في شيء كقصص الملك آرثر وفرسان مائدته المستديرة، وهي قصة قد نالت من احتفال أدباء الإنجليزية ما لم تنله قصة بيولف، لسذاجة هذه وشدة إمتاع تلك، واحتوائها على كثير من تقاليد العصور الوسطى وأنظمة فروسيتها ومغامراتها
ولم ظهر الأدب الإنجليزي الحديث، بعد انتشار الحضارة والعلم، اتخذ الشعراء والروائيين من تراث العصر السابق مادة لخيالهم، ولم يكتفوا بذلك بل استعاروا خرافات عصر الأبطال الإغريق مضافاً إليها تاريخ الإغريق والرومان، مما انطوى عليه ذلك التاريخ من