للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مدح أحمد بن المعتصم فقال منها:

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس

ومن مثل هذا الحديث تتبين بعض أسباب إعراض الأدب عن حديث البطولة: كالتكسب بتمليق أمراء أنانيين يأبون إلا أن يكون كل المدح لهم؛ بيد أن هناك سبباً أهم هو انعدام روح القومية بين العرب: فقد كانت العصبية القبلية فوق القومية العربية في عصر الجاهلية، فلما وحد الإسلام العرب تحت لوائه وحض على التآخي ونبذ العصبية، لم يستمر العرب دولة واحدة مستقلة منعزلة زمناً طويلاً كافياً لتوحد عناصرها توحداً صحيحاً، واعتناقها جميعاً للقومية العربية مكان العصبية القبلية، بل اندفعوا وهذه العصبية ما تزال على أشدها يفتحون شرقي العالم وغربيه، فإذا هم في بضع سنين يموجون في إمبراطورية مترامية، ضلت قوميتهم العربية في قومياتها المتعددة، وظلت عصبيتهم المأصلة تستأثر بولائهم وتثير الفتن بين قبائلهم، وكان هذا التناحر القبلي من أكبر أسباب انتصار الفرس، ووثوبهم إلى السلطان على أيدي العباسيين

فالمجتمع العربي عرف العصبية القبلية الضيقة الحدود والإمبراطورية العالمية الفضفاضة الجوانب، ولم يعرف القومية العربية التي تسمو على العصبية وتفخر بأبطال العرب الغابرين من أي الإحياء كانوا، والتي تضيق دون مدى الإمبراطورية الواسعة، التي لا يجمعها ماض واحد ولا تشترك في تراث عمراني ثقافي فرد. فلم يكن العربي المسلم يفخر بأبطال العرب المشتركين كابن الوليد وابن الخطاب قدر ما يفخر بآبائه الذين تنتسب إليهم قبليته فابن الرومي في القرن الثالث يمدح أبا الصقر فلا يفوته أن يمدح قبيلته شيبان، وأبو الصقر يرى أن ابن الرومي لم يوف شيبان حقها فيحرمه العطاء، وأبو فراس في القرن الرابع يفخر ببني حمدان الذين يراهم لم يخلقوا إلا (لمجد أو لبأس أو لجود)، ولا يرد ذكر العرب في شعره، وهذه النزعة القبلية الضيقة لا تنتج شعر بطولة فنياً راقياً، بل تنتجه الروح القومية المتدفقة

إنما كان الدين يحل محلل القومية من نفوس العرب، ومن ثم كان له في أدبهم أثر بعيد المدى، ولذلك نرى أن جانباً عظيماً مما قد ندعوه شعر بطولة في العربية يدور حول أعظم الشخصيات الدينية في الإسلام بعد الرسول الكريم، شخصية الإمام علي، وشخصيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>