للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والرياء الضعيف الممتثل في مجتمع بنيت أسسه على رذائل مشتهرة وأنانية متبجحة. وإنما قيمة القصة وحسنها يتوقفان على مقدار صدقها في وصف هذه الشناعة والرياء

هذه مبادئ جهد بها هؤلاء ولكنهم لم يكونوا أمناء لمبادئهم، فقد كانت فضيلتهم زاهية مختالة، قتلوا كبرياء وخلقوا كبرياء، وكرروا موضوع (كتلة الشحم) تحت مظاهر متحدة الغرض، وكل رواياتهم تعود إلى وصف فئة تتظاهر بنصر الفضيلة، تمدح جماعة سافلة إذا افترقت إليها، وتعود إلى إهانتها إذا فرغت منها. ولهذا لم يبق من (الواقعية) إلا مبادئ عامة قد تتلاقى بالمذهب (المثالي) حيث تكتب القصة بإسناد وأدلة، والروائي لا يحيا إلا في العالم الباطن، عالم نفسه، وإنه ليخرج منه ليلتقط من الحياة اليومية ألف مشهد، ويتحرى في هذه المشاهد عن الغرائز والهواء التي تتمثل هذه القصة. الحياة الحقيقية ليست هي حياة صفوة مختارة، وقد تكون هذه الحياة كاذبة مرائية، إن الحياة في حياة المجموع، حياة الشعب الصادقة، والفن يكون في تصوير هذه الحياة الشعبية

جي دي موباسان

جمال الحياة ومذهبه الواقعي:

عاش موباسان للحياة ولجميع لذائذ الحياة. لقد كان فتى (نورماندياً) له مظهر يملأ العين ونفس لا تعرف الكلال. كان يهيم شغفاً بالطبيعة وجمالها وهو القائل (إني أحب السماء كعصفور، والغابات كذئب شرس، والصخور كوعل أحب حباً وحشياً عميقاً قدسياً وحقيراً - كل شيء يحيا). ولقد كان له في فنونه حواس لا للتمتع فحسب، بل للملاحظة، وقد كان الصديق المقرب الوفي للكاتب (فلوبير) إذا هم بأن يكتب قيد بانتباه ودقة لا كل ما شاهده، بل كل ما يقدر أن يشاهده. ولقد أعطى صوراً كثيرة قوية عن مناظر السين والمارن ومقاطعة نورمانديا وعن حياة القرويين وطلاب الجامعات. وفي قصصه الأولى سخر من معايب نفسه ومخازيها، وسخر من كل ما يراه كاذباً في المجتمع في الأديان والشرائع والعادات.

لقد كان ماجناً مرحاً ولكن لم يطل عهد مجونه ومرحه. فقد تألم وغزا الألم جسمه ونفسه فبدل كل نظراته الواهمة في الحياة

<<  <  ج:
ص:  >  >>