للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(أنا) (? التي هي مثار بحث طويل بين علماء النفس المعاصرين. فالشخصية أو (الأنا) في رأي ابن سينا لا يرجع إلى الجسم وظواهره، وإنما يراد به النفس وقواها

ومن جهة أخرى تبدو علينا آثار لا يمكن تفسيرها إلا أن سلمنا بوجود النفس، وأهم هذه الآثار الحركة والإدراك. فأما الحركة فضربان: قسرية ناتجة عن دفعة خارجية تصيب جسما ما فتحركه، وغير قسرية وهي التي تتصل بنا هنا. وغير القسرية هذه منها ما يحدث على مقتضى الطبيعية كسقوط حجر من أعلى إلى اسفل، ومنها ما يحدث ضد مقتضى الطبيعة كالإنسان يمشي على وجه الأرض مع أن ثقل جسمه كان يدعوه إلى السكون، أو كالطائر الذي يحلق في الجو بدل أن يسقط إلى مقره فوق سطح الأرض. وهذه الحركة المضادة للطبيعة تستلزم محركا خاصا زائدا على عناصر الجسم المتحرك، وهو النفس. وأما الإدراك فأمر امتازت به بعض الكائنات على بعض، وإذن لابد للكائنات المدركة من قوى زائدة على غير المدركة. هذا هو البرهان الطبيعي السيكولوجي الذي يعتمد عليه ابن سينا في إثبات وجود النفس. وهو كما لاحظ لانداور مستمد في أغلب أجزائه من كتابي (النفس) و (الطبيعة) لأرسطو. ففي الكتاب الأول يصرح الفيلسوف اليوناني بأن الكائن الحي يتميز من غيره الحي بميزتين رئيسيتين: هما الحركة والإحساس. وفي الثاني يقسم الحركة إلى أقسام عدة لم يعمل ابن سينا شيئا سوى أن رددها وبنى عليها برهنته السابقة. بيد أن هذه البرهنة، فوق أنها برهنة باللازم، غير مقنعة وخاصة في جزئها الطبيعي. فأنه لو كانت الأجسام كلها مكونة من عناصر متحدة لكان لهذه البرهنة قيمتها. فأما وهي مختلفة التكوين فلا مانع من أن الجسم الذي يضاد الطبيعة العامة بحركته متمش مع قوانين طبيعته الخاصة ومشتمل على عناصر تسمح له بالحركة. وكم من جهازات وآلات تتحرك حركات مضادة للطبيعة ولا يخطر ببال أحد الآن أنها تحتوي على نفس أو قوة خفية أخرى، وقد انقضى الزمن الذي كانت تعتبر فيه النفس أصل الحياة والتفكير في آن واحد، أو مصدر الحركة والإدراك إن شئنا أن نستعمل لغة ابن سينا، واصبح علماء الحياة يفسرون الظواهر الحيوية تفسيراً آلياً أو (ديناميكياً) بمعزل عن القوى النفسية تاركين للنفسيين توضيح النفس وظواهرها، وهؤلاء الأخيرون حتى الممعنون في الروحية منهم لا يذهبون اليوم مطلقاً إلى أن للنفس عملا فوق الظواهر العقلية ويتقبلون التفسير الآلي للحياة والحركة. ويظهر أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>