للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المستعمرات من آن لآخر ولكن بصورة نظرية فقط، فلما قامت الحكومة النازية منذ أربعة أعوام كان برنامجها الواضح أن تنكر معاهدة فرساي برمتها، وأن تنكر بالأخص الأساس الذي قامت عليه وهو تبعة ألمانيا في الحرب الكبرى، وأن تحطم من نصوصها القائمة كل ما يمس السيادة الألمانية أو يغل حقوق ألمانيا وحرياتها؛ وقد فازت ألمانيا الهتلرية في هذه الأعوام القليلة بتحقيق غايتها من نقض معاهدة فرساي وتمزيقها. وفي نفس الوقت الذي كانت ألمانيا تنكر فيه تبعة الحرب وتنكر شرعية معاهدة الصلح، كانت تطالب برد مستعمراتها وتنوه بضرورة هذه المستعمرات لتقدمها الاقتصادي والاجتماعي؛ ولما نظمت إيطاليا مشروعها لغزو الحبشة كانت ألمانيا من ورائها تؤيدها بكل ما استطاعت، لأنها كانت ترى في مشروع إيطاليا دعامة لقضيتها الاستعمارية وذريعة لإثارة المسألة الاستعمارية كلها؛ ذلك أن غزو إيطاليا للحبشة لم يكن مشروعاً إيطالياً داخلياً فقط، ولكنه كان يمثل في نفس الوقت طموح الفاشستية إلى التوسع الاقتصادي. ويمثل بالأخص نزعتها العسكرية المتوثبة، وهي النزعة التي تضطرم بها ألمانيا اليوم كما تضطرم إيطاليا، وقد كان في مثل إيطاليا قدوة صالحة لألمانيا؛ وكان العام الماضي بالنسبة لألمانيا عام القضاء على معاهدة الصلح وميثاق لوكارنو، واسترداد ألمانيا لسيادتها المطلقة في مسائل التسليح، وفي منطقة الرين الحرام، أما هذا العام فسيكون بالنسبة لألمانيا عام المستعمرات والمسالة الاستعمارية، كما تدل على ذلك طوالع السياسة الألمانية الجديدة ومقدماتها

فمنذ أشهر يتحدث زعماء ألمانيا الهتلرية وتتحدث صحفها بشدة عن ضرورة استعادة ألمانيا لمستعمراتها السابقة، ويقولون إن المسالة فضلاً عن كونها مسألة كرامة قومية لأن ألمانيا هي الدولة العظمى الوحيدة التي حرمت من المستعمرات، قد أضحت في نفس الوقت بالنسبة لألمانيا ضرورة اقتصادية واجتماعية، لأن سكان ألمانيا يزيدون بسرعة وألمانيا لا تستطيع الحصول على المواد الأولية اللازمة لصناعتها إلا بالشراء واستنزاف موارد ثروتها القومية، وهي حالة تهدد كيانها الاقتصادي؛ وقد رأينا الدكتور شاخت زعيم ألمانيا الاقتصادي يهدد أوربا بالانفجار إذا لم تحقق ألمانيا أمانيها الاستعمارية، ورأينا الجنرال جيرنج رئيس الحكومة البروسية يصف اقتطاع الحلفاء للمستعمرات للألمانية بأنه سلب وسرقة صريحة؛ وقد كانت هذه كلها تمهيدات عنيفة للخطوة الرسمية التي تزمع ألمانيا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>