للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إنكلترا بما وضعت يدها عليه من تراث ألمانيا السابق في الكمرون وفي توجلاند؛ والنظرية الفرنسية في مسألة المستعمرات معروفة، خلاصتها أن فرنسا لا تقبل مطلقا أن تعيد إلى ألمانيا أية مستعمرة أو أراض تستغلها ألمانيا في سبيل تدعيم قواتها ومشاريعها العسكرية، ولا تنظر في مسألة المستعمرات إلا إذا ارتبط البحث فيها بمسألة السلامة العامة، وأسفر عن ضمانات جديدة مؤكدة تقدمها ألمانيا في هذا السبيل

والخلاصة أن مسالة المستعمرات هي مسألة اليوم، وهي طور جديد من أطوار الصراع التي تثيره ألمانيا الهتلرية في سبيل استرداد مكانتها القديمة كاملة شاملة وفي سبيل تدعيم مشاريعها الاقتصادية والعسكرية؛ وقد يؤدي البحث فيها إلى بحث الموقف الأوربي كله، ويؤدي إلى تسوية دولية عامة؛ وقد يقف البحث فيها عند الخطوات التمهيدية إذا أصرت ألمانيا على وجهات نظرها المعروفة من رفض البحث في مسالة تحديد التسليح، والإصرار على وجوب إبعاد روسيا عن حظيرة الدول الأوربية، وعندئذ تتعقد المشكلة الأوربية، ويصعب التكهن بما قد يفضي إليه هذا التعقيد من التطورات

ويجدر بنا أن نشير أخيراً إلى أن هذه الشهوة المضطرمة التي تحدو الدول الفاشستية، وتحدو ألمانيا إلى السعي لامتلاك المستعمرات لا ترجع إلى بواعث اقتصادية واجتماعية حسبما تصورها لنا السياسة الفاشستية، فإن الإحصاءات تدل على أن المستعمرات تغدو في أحيان كثيرة، عبئاً اقتصاديا، وقد لا يهاجر إليها من البيض سوى آلاف قليلة لا تؤثر في تخفيف مشكلة السكان في البلد الأصلي، واكثر ما ترجع هذه الشهوة إلى بواعث سياسية وعسكرية فوق ما ترجع إليه من الأطماع المادية واقتصادية؛ وهي نفس البواعث التي تحمل الدول الأخرى على الاحتفاظ بتراثها الاستعماري الشاسع، وهي في الواقع معركة الغنائم والأسلاب الخالدة؛ فإذا كانت ألمانيا قد فقدت مستعمراتها في حرب كبرى هزمت فيها وسحقت، فمن الصعب أن تتوقع عودة هذه المستعمرات إليها غنيمة باردة، وعليها إما أن تبذل الثمن المناسب، وإما أن تخوض حرباً تحرز فيها النصر، وعندئذ تستطيع أن تملي شروطها، كما أملى عليها الظافرون شروطهم بالأمس، وهذا ما نستبعد وقوعه في الظروف الحاضرة

(* * *)

<<  <  ج:
ص:  >  >>