ضجة الحرب فمشى التجار حيث مشى الجنود من قبل، وسار العلماء والأدباء في شرقي الأرض ومغربها يطلبون العلم والأدب، ويلتمسون الرزق والحظوة، وأظهر العرب من حب الرحلة لشتى الأغراض ما لا تبذهم فيه أمة أخرى: هاجروا جماعات فأنشئوا الأساطيل يفتحون بها سواحل البحر وجزره، وأفراداً فبثوا الدعوات وأنشئوا الدول، وسافروا تجار فنشروا الإسلام وحضارته في الأطراف والمجاهل التي لم تبلغها سنابك خيول الفاتحين، وتجشم علماؤهم متاعب الأسفار طلباً لتحقيق العلم والمشاهدة والتثبت من صحة الأحاديث الشريفة. وحرص الكثيرون على حج بيت الله الحرام مهما بعد، وزيارة عاصمة الإسلام حيث كانت
وظهر من أعلام الرحالين الذين طافوا أنحاء الإمبراطورية الإسلامية وجاوزوها إلى الأقطار الأجنبية شغفاً منهم بحب الاستطلاع والتجوال، أو ولوعا بعلم تقويم البلدان وطلباً لغرائبه، أمثال المسعودي وابن جبير وابن بطوطة، طوف أولئك الرحالون تدفعهم الروح التي كانت تدفع هيرودوت وديودور قديماً، والتي حثت ماجلان وكوك وأضرابهما فيما بعد، وما تزال تدفع العلماء إلى قرع أبواب العلم المغلقة، وطرق سبله المجهولة، ودون أولئك الرحالون المسلمون مشاهداتهم، فنالت كتبهم الذكر والأهتمام، ودرست لا في البلاد العربية وحدها، بل في أوربا حيث ظلت زماناً من أكبر مراجع التاريخ والجغرافيا؛ ولم تكن رحلات كولمبس غرباً وداجاما شرقاً في الحق إلا إتماماً لما بدأه العرب وحذقوه من التجوال في البحار وارتياد الأقطار. وقد انتفع كلا ذينك الكاشفين وغيرهما بآثار العرب في الرحلة والجغرافية، واستفادوا بخبرة الملاحين المسلمين
كان لكل هاتيك الكتب والرحلات والأخبار أثاراها في الأذهان والآداب؛ غير أنه لما كان الأدب العربي قد نفى من حضيرته القصة وازدرى الخرافة، وزهد في كثير من منادح القول، فقد أهمل الكثير من ثمار تلك الأسفار وطرائف تلك الأخبار التي تحوي أنفس المواد لخيال الأديب وفنه، فلم تبد آثار الرحلات والمخاطرات في الأدب العربي الفصيح إلا ضئيلة متفرقة: ففي المقامات شيء منها، إذ تدور المقامة حول أفاق يذرع الأرض ويهبط كل يوم بين قوم؛ وإنما استأثر بالتحدث عن الرحلة والمخاطرة والبلاد البعيدة الأدب العامي: تجمعت أقاصيص الأمم القديمة، وأضيفت إليها أخبار الرحلات الجديدة، وذاع كل