للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السبت

صديقي العزيز:

أرجوك أن تحضر لرؤيتي هذا المساء بعد الساعة السابعة

أنا آسفة إذ فاتتني رؤيتك أمس

صديقتك المخلصة:

نازلي

فأمر الصداقة إذن حق. واختلاف الشيخ محمد عبده إلى قصر الأميرة أمر مقرر. ولعلنا الآن لا نبالغ إذا قلنا إن عناية الشيخ محمد عبده بإتقان اللغة الفرنسية ربما كان نفحة من نفحات الأميرة التي كانت تتكلم بالفرنسية كإحدى بنات (السين) ذوات الثقافة العالية والأدب الرفيع. ونظرة إلى مجموعة الكتب الفرنسية التي وجدت بمكتبة الأستاذ الإمام، والتي تعالج منها شؤون الأدب الفرنسي بنوع خاص، تؤيد ما ذهبنا إليه من أثر الأميرة في ميول الأستاذ الإمام واطلاعاته.

أراد أستاذنا الفاضل مصطفى بك أن يبين أثر الأميرة في حياة الشيخ محمد عبده من ناحية أخرى، فذكر في آخر مقاله أن الشيخ كان يجهر أول أمره بعداوته لإنجلترا ويكتب في ذلك فصولا ضافية، ثم قال: (أما بعد اتصاله بالأميرة نازلي التي كان هواها مع إنجلترا، وكانت صديقة للورد كرومر، فقد تلاشت عداوة إنجلترا من صدر أستاذنا (محمد عبده) وأصبح يجهر في كتاباته ودروسه أن بريطانيا العظمى أحسن الدول استعماراً).

فهل يسمح لنا فضيلة الأستاذ أن نبدي في هذه النقطة رأياً آخر؟

إذا كان الإمام محمد عبده، أول أمره، قد حمل على الإنجليز حملات شديدة، فقد كان ذلك في جريدة (العروة الوثقى) أيام اتصاله بأستاذه السيد جمال الدين الأفغاني. فكان يكتب وهو في باريس، مدفوعاً بحماسة الشباب، ومرارة المنفى بعيداً عن وطنه، ومتأثراً بآراء أستاذه الأفغاني، وقد كانت على ما يعلم الجميع - ترمي إلى الثورة سواء بتأليف الجمعيات السرية، أو الإذاعة بالقلم واللسان. أو استعمال العنف والقتل، وبالجملة القيام في وجه الظالمين المستبدين سواء أكانوا شرقيين أم غربيين. وكان محمد عبده، أول الأمر يعتنق أكثر آراء أستاذه الأفغاني، لكنه بعد عودته من باريس وحبوط الدعوة وانفصاله عن أستاذه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>