للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عدل آراءه الأولى، ومال إلى الأخذ بالاعتدال والتدريج متوخياً الإصلاح، لا من طريق السياسة والثورة، بل من طريق التعليم والتربية الاجتماعية والدينية، وكان الأستاذ المصلح يتحدث عن هذا فيقول:

(علينا أن نهتم الآن بالتربية والتعليم بعض سنين. وأن نحمل الحكومة على العدل بما نستطيع، وأن نبدأ بترغيبها في استشارة الأهالي في بعض مجالس خاصة بالمديريات والمحافظات، ويكون ذلك كله تمهيداً لما يراد من تقييد الحكومة. وليس من اللائق أن تفاجئ البلاد بأمر قبل أن تستعد له فيكون من قبيل تسليم المال للناشئ قبل بلوغ سن الرشد: يفسد المال ويفضي إلى التهلكة).

أما عن الإصلاح الديني فهو يقول في رده على هانوتو: (إن الغرض الذي يرمي إليه جميعه (أعني المصلحين من المسلمين) إنما هو تصحيح الاعتقاد وإزالة ما طرأ عليه من الخطأ في فهم نصوص الدين، حتى إذا سلمت العقائد من البدع تبعها سلامة الأعمال من الخلل والاضطراب، وتهذبت الأخلاق بالملكات السليمة. ولم يخطر ببال أحد ممن يدعو إلى الرجعة إلى الدين سواء في مصر أو غيرها، أن يثير فتنة على الأوربيين أو غيرهم من الأمم المجاورة للمسلمين.) فلما أراد محمد عبده تطبيق وجوه الإصلاح على الأزهر بإدخال العلوم الحديثة في برامجه - وكانت أولى محاولاته الإصلاحية في عهد الخديو توفيق - قام في وجهه شيوخ جامدون على ما ألفوا من تقليد، ولم يفطنوا إلى مدى إصلاحه، وبعد ذلك نظر الشيخ عبده إلى السلطات العليا يتلمس عندها التأييد، فوجد من الخديو عباس الثاني مناوأة له ومناصرة لخصومه، ولقي الإمام في ذلك من الأذى كثيراً. ولسنا اليوم بحاجة إلى بيان ما كان فيه خصومة الخديو للأستاذ الإمام من شدة، فذلك أمر مشهور. وحسبنا أن نشير إلى تلك الوثيقة التاريخية الخطيرة التي نشرها أخيراً أحمد شفيق باشا والتي أرسلها الخديو إلى شفيق باشا - وكان إذ ذاك رئيساً للديوان العالي - يؤنبه فيها على السير في جنازة الشيخ محمد عبده إزاء الدسائس المتوالية والحملات المنكرة التي كانت توجه من كل صوب إلى رجل الإصلاح، لم يكن للأستاذ الإمام بد أن يدير وجهه إلى السلطات الإنجليزية فعرف (لورد كرومر) وأقنعه بوجهته في الإصلاح، ووجد محمد عبده المفتي من العون عند كرومر ما أخطأه عند عباس الثاني وعند شيوخ الأزهر. ومن اطلع

<<  <  ج:
ص:  >  >>