للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على التقارير السنوية التي كان يقدمها لورد كرومر إلى حكومته وجد فيها ذكراً طيباً للشيخ محمد عبده وتقديراً لأعماله. وعميد الإنجليز في مصر يذكر لنا في نفسه إن مناصرته محمدا عبده لم تكن بالأمر اليسير نظراً لما كان يلقاه الإمام المصلح من خصومة المحافظين له وكراهة الخديو إياه، بل لولا كرومر ما بقي محمد عبده في منصب الإفتاء طويلا

نرى مما تقدم أن الشيخ عبده لم يصادق الإنجليز عفواً ولا إرضاء لهواه، بل ألجأته إليه الظروف: كان يريد الإصلاح حقاً، ولم يكن بمقدوره أن يمضي في إصلاح وأهل الجمود والتقليد يقيمون في وجهه العراقيل، ويحيكون من حوله ضروب الدسائس، فكان طبيعياً إذن أن يلتمس موافقة الإنجليز. وكان لهم حينذاك النفوذ الفعلي في البلاد

على أن رضاه عن سياسة بريطانيا في مصر لم يكن ينسيه واجبه كوطني، بل كأول من حاول بث الفكرة الوطنية في نفوس المصريين. ولم تكن تفوته فرصة دون أن يطالب فيها بقيام دستور للحكم العادل في البلاد، ووضع حد للتدخل الذي كان يدعيه لأنفسهم الموظفون الإنجليز كالمستشارين وغيرهم (بحيث لا يكون الموظفون المصريون مجرد ألعوبة في أيديهم) كما كان الحال في ذلك الزمان

ونحب في ختام هذا التعليق أن ننبه إلى إننا ما قصدنا إلا أن ندلي بتعليق جديد للموقف الذي اتخذه المصلح الكبير إزاء الإنجليز؛ وما أردنا مما ذكرنا من وقائع أن نتعرض بالنقد لرأي أستاذنا الجليل مصطفى عبد الرزاق بك. فنحن أول من يعترف بفضله، ونجل فيه شدة وفاءه لأستاذه الإمام محمد عبده وعمله الدائم على إحياء ذكراه

ويخيل إلينا أن الأستاذ الإمام قد توسم علائم هذا الإخلاص في تلميذه الشيخ مصطفى فكتب إليه سنة ١٩٠٤ يقول: (ولقد عرفت مني على حداثة سنك ما لم يعرفه الكبار من قومك. فلله أنت ولله أبوك)

عثمان محمد خليل

مبعوث الجامعة المصرية بباريس

<<  <  ج:
ص:  >  >>