ونرى أن روابط الدم مقدسة؛ بيد أنها غدت رباطا غير واضح تماما بين القبائل المختلفة. وأوجدت عرضا أو اتفاقا أساس اتحاد قومي في الشعور
ولقد حاولت في الصفحات التالية أن أتعقب أصول الشعر العربي، وأصف طبيعته وعناصره وخصائصه العامة، وأن ألم بأبرز شعراء الجاهلية، ومجاميع شعر هذه الفترة، ثم أنتهي من ذلك إلى عرض الوسيلة التي حفظت بها حتى وصلت إلينا
كان العرب القدماء يعدون الشاعر كما يدل عليه أسمه - ذا صلة بالغيبيات، وساحرا يؤاخي الجن والشياطين ويستمد منهم العون فيما يعرضه من مقدرة رائعة. وتتضح هذه النظرة إلى شخصيته ومكانته التي يتبوأها مما يروى عن شاب أبت حبيبته الزواج به لأنه لم يكن شاعراً أو كاهنا أو عرافا، وارتقت بعد ذلك فكرة الشعر كفن إذ كان الشاعر الوثني في الجاهلية كاهن قبيلته ومرشدها في السلم والحرب، وبطلها في معمعان القتال، تستشيره إذا ما بحثت عن مرعى جديد، ولا تضرب طنبها إلا حسب إشارته. وإذا عثر راودها المجهدون الظامئون على بئر نهلوا من مائها واغتسلوا به، وقادهم إليه رافعين جميعا عقيرتهم بالغناء كما فعل إسرائيل من قبل:(انبثق أيها الماء، ويا هؤلاء غنّوا له)
ولابد أن تكون قد وجدت في العصور الأولى ضروب أخرى من الشعر عدا أغاني الينابيع والحرب والتراتيل الدينية للأصنام - هذه الضروب كالتشبيب والرثاء، كما كانت مواهب الشاعر تستغل أيما استغلال في الهجاء الذي كان في أقدم صورة (يبعث القبيلة على طلب الثأر، ويعد باعثا من بواعث الحرب لا يقل عن الطعن والنزال) كما يعد وعيده للعدو وتهديداته إياه دليل خطب جسيم، أما منظوماته التي لا تقل عن السهام فتكا فكان أثرها أثر اللعنات الصارمة يجريها الوحي على لسان نبي أو كاهن، وكان الشعراء يتناشدون أشعارهم في حلقات خاصة ذات طقوس وأنظمة خاصة، كدهنهم أحد جانبي الرأس، وإسدالهم العباءة، وانتعالهم (خفا) واحدا من الصندل. وقد أبقى الهجاء على شيء من هذه العادات المستهجنة إلى عصر متأخر، حينما تخلى منطق الشاعر الساحر عن مكانته للهجاء والقذع الذي كان يكيل به الشاعر لخصومه السب ويسمهم بميسم العار
وإن الطلائع الأولى المبهمة للشعر العربي (التي غطت عليها حيويته الساحرة المعروفة) لم تترك وراءها أثراً في هيكل الأدب، ولكن المهمة قد تكون سهلة نسبيا حينما نواجه قوماً جدّ