محافظين مستمسكين بالقديم كالعرب. وقد يمكن القول بأن أقدم صورة للكلام الشعري في بلاد العرب كانت السجع أو كما ينبغي تسميته (النثر المقفى) وإن وصف مناهضي محمد عليه السلام إياه بأنه شاعر لما جاء به القرآن من صور له حتى بعد معرفة الموازين الشعرية واستنباطها ليظهر لنا أن هذه النظرة كانت لا تزال حتى ذلك الحين قوية ثابتة
وتطور السجع أخيرا - كما سنرى - فأصبح حلية لفظية فقط، والميزة البارزة لكل فن من فنون البلاغة سواء في الخطابة أم في الكتابة، ولكن كان له في الأصل مرمى بعيد يتصل عن قرب بالناحية الدينية، ويختاره الشعراء والكهنة ومن على شاكلتهم ممن كانوا يعتبرون ذوي صلات بالقوى الخفية ليفسروا به للدهماء كل ما يحز بهم من مسائل عويصة لا يدرون لها تأويلاً ولا يعرفون لها حلا. وتفرع من السجع فن آخر يجري على وزن يعد أقدم موازين الشعر العربية ذلك هو الرجز، وهو بحر شاذ العروض والتفاعيل يحتوي في الغالب على تفعيلتين أو ثلاث. ومن أوضح مميزات الرجز التي تظهر صلته القوية بالسجع أن نهايات شطراته تجري على قافية واحدة، مع أنه في معظم البحور لا يحدث التصريع إلا في مطلع القصيدة. وزيادة على ما ذكرنا، نجد ميزة أخرى للرجز، هي أنه على الدوام يكون مرتجلا، فينشد الرجل الأرجوزة عند المفاجآت يفسر بها بعض مشاعر الشخصية أو عواطف أو تجارب، ومثل هذا ما ارتجله دويد بن زيد بن نهد القضاعي وهو يتهيأ للموت:
ويحسن أن نأتي في هذا المقام على ذكر بعض البحور الهامة في الشعر العربي كالكامل والوافر والطويل والبسيط والخفيف وغيرها. وإيثاراً للاختصار أحيل القارئ إلى البحث الوافي عن هذا الموضوع في مقدمة سير شارلز لييل في كتابه (ص٤٥ - ٥٢). وكل البحور قياسية كما هو الحال في الإغريقية واللاتينية. وقد استنبط قواعد العروض من القصائد القديمة لأول مرة ونظمها ورتبها الخليل بن أحمد اللغوي (٧٩١م) الذي يقال إن الفكرة طرأت له حينما شاهد حداداً يضرب بمطرقته على السندان