للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الألقاب، وذلك بوضع لقب جديد يكون هو المفسر لجميعها ويكون هو اللقب الأكبر فيها، فإذا أنعم به على إنسان كتبت الصحف هكذا: أنعمت الحكومة على فلان بلقب (ذو مال).

ودق الجرس يدعو أبا عثمان إلى رئيس التحرير. . .

فلم يلبث إلا يسيرا ثم عاد متهللا ضاحكا وقد طابت نفسه فليس له جحوظ العينين إلا بالقدر الطبيعي، وجلس إلي وهو يقول:

بيد أن رئيس التحرير لم ينشر ذلك المقال، ولم ير فيه استطرافاً ولا ابتكارا ولا نكتة ولا حجة صادقة، بل قال كأنك يا أبا عثمان تريد أن يأكل عدد اليوم عدد الغد، فإذا نحن زهدنا في الألقاب وأصغرنا أمرها وتهكمنا بها وقلنا إنها أفسدت معنى التقدير الإنساني وتركت من لم ينلها من ذوي الجاه والغنى، يرى نفسه إلى جانب من نالها كالمرأة المطلقة بجانب المتزوجة. . . وقلنا أنها من ذلك تكاد تكون وسيلة من وسائل الدفع إلى التملق والخضوع والنفاق لمن بيدهم الأمر، أو وسيلة إلى ما هو أحط من ذلك كما كان شأنها في عهد الدولة العثمانية البائدة حين كان الوسام كالرقعة من جلد الدولة، يرقع بها الصدر الذي شقوه وانتزعوا ضميره، إذا نحن قلنا هذه وفعلنا هذا، لم نجد الشعب الذي يحكم لنا، ووجدنا ذوي المال والجاه والمناصب الذي يحكمون علينا، فكنا كمن يتقدم في التهمة بغير محام إلى قاض ضعيف.

يا أبا عثمان إنما هي حياة ثلاثة أشياء: الصحيفة، ثم الصحيفة، ثم الحقيقة. . . فالفكرة الأولى للصحيفة والفكرة الثانية هي للصحيفة أيضاً. ومتى جاء الشعب الذي يقول: لا. بل هي الحقيقة، ثم الحقيقة، ثم الصحيفة - فيومئذ لا يقال في الصحافة ما قيل لليهود في كتاب موسى: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا. .

قلت: أراك يا أبا عثمان لم تنكر شيئاً من رئيس التحرير في هذه المرة، فشق عليك إلا تثلبه، فغمزته بالكلام عن مرة سالفة.

قال: أما هذه المرة فأنا الرئيس لا هو، وفي مثل هذا لا يكون عمك أبو عثمان من (صعاليك الصحافة). إن الرجل اشتبه في كلمة: ما وجهها أمرفوعة أم منصوبة؟ وفي لفظة: ما هي: أعربية أم مولدة؟ وفي تعبير أعجمي: ما الذي يؤديه من العربية الصحيحة؟ وفي جملة: أهي في نسقها افصح أم يبدلها؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>