الشعب قارئاً مدركا مميزاً معتبراً مستبصراً لما رمت بنفسها على الحكومات والأحزاب عجزاً وضعفاً وفسولة، ولا خرجت عن النسق الطبيعي الذي وضعت له، فإن الشعب تحكمه الحكومة، وإن الحكومة تحكمها الصحافة، فهي من ثم لسان الشعب؛ وإنما يقرأها القارئ ليرى كلمته مكتوبة. وشعور الفرد أن له حقاً في رقابة الحكومة وأنه جزء من حركة السياسة والاجتماع هو الذي يوجب عليه أن يبتاع كل يوم صحيفة اليوم
قال أبو عثمان: فالصحافة لا تقوى إلا حيث يكون كل إنسان قارئاً، وحيث يكون كل قارئ للصحيفة كأنه محرر فيها، فهو مشارك في الرأي لأنه واحد ممن يدور عليهم الرأي، متتبع للحوادث لأنه هو من مادتها أو هي من مادته، وهو لذلك يريد من الصحيفة حكاية الوقت وتفسير الوقت، وأن تكون له كما يكون التفكير الصحيح للمفكر، فيلزمها الصدق ويطلب منها القوة ويلتمس فيها الهداية، وتأتي إليه في مطلع كل يوم أو مغربه كما يدخل إلى داره أحد أهله الساكنين في داره
وفي قلة القراء عندنا آفتان: أما واحدة فهي القلة التي لا تغني شيئاً، وأما الأخرى فهم على قلتهم لا ترى أكبر شأنهم إلا عبادة قوم لقوم، وزراية أناس بآخرين، وتعلق نفاق بنفاق، وتصديق كذب لكذب. وآفة ثالثة تخرج من اجتماع الاثنتين: وهي أن أكثرهم لا يكونون في قراءتهم الصحيفة إلا كالنظارة اجتمعوا ليشهدوا ما يتلهون به، أو كالفراغ يلتمسون ما يقطعون به الوقت، فهم يأخذون السياسة مأخذ من لا يشارك فيها، ويتعاطون الجد تعاطي من يلهو به، ويتلقون الأعمال بروح البطالة، والعزائم بأسلوب عدم المبالاة، والمباحثة بفكرة الإهمال، والمعارضة بطبيعة الهزء والتحقير. وهم كالمصلين في المسجد؛ فمثل لنفسك نوعا من المصلين إذا اصطفوا وراء الإمام تركوه يصلي عن نفسه وعنهم وانصرفوا. . .
قال أبو عثمان: بهذا ونحوه جاءت الصحف عندنا وأكثرها لا ثبات له إلا في الموضع الذي تكون فيه منافعه ووسائل منافعه؛ ومن هذا ونحوه كان أقوى المادة عندنا أن تظهر الصحيفة مملوءة حكومة وسلطة وباشوات وبيكوات. . . وكان من الطبيعي أن محل الباشا والبك والحوادث الحكومية التفهة لا يكون من الجريدة إلا في موضع قلب الحي من الحي.
ثم استضحك شيخنا وقال: لقد كتبت ذات يوم مقالة أقترح فيها على الحكومة تصحيح هذه