للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رأيي في الأمر في كلمة: إن وصف الرجل بأكثر مما نعلم فيه عمل بعيد عن الأمانة إذا قصد من ورائه الربح، وعمل أخرق إذا لم يقصد، وكل من نجح في مثل هذا العمل لابد أن يعتقد في قرارة نفسه أنه هو نفسه دجال لأنه فعل ذلك، وأن ممدوحه أحمق لأنه صدق ما قيل فيه)

وعلى حين احتفى شعراء العربية بهذين الفنين الزائفين من فنون القول، أهملوا إلى حد بعيد فناً هو من صميم الأدب والحياة، وهو والوصف الطبيعي: فديوان المتنبي الذي يعج بمعاني المدح والهجاء المخترعة لا يضم إلا أبياتاً معدودة منثورة في التغني بمباهج الطبيعة. أما في الإنجليزية فالطبيعة وحي ما لا يعد من قصائد بين مقطوعات ومطولات، ووصفها يتخلل أشتات المنظوم والمنثور في مختلف الأغراض، وهي المنظر الخلفي لكثير من روايات العصر الأليزابيثي وملاحم ملتون وسبنسر ومطولات تنسيون وقصص هاردي، بل بلغ من دقة دراسة تنيسون إياها أن اصبح شعره يقتبس في كتب الجيولوجيا والجغرافيا أحياناً، وبلغ من معرفة هاردي بطبيعة الإقليم الذي أجرى فيه حوادث قصصه، أن كان يخصص الصحائف الطوال لوصف المنظر الواحد في قصصه بدقة العالم لا القصصي

وهناك مواضيع أدمن أدباء الإنجليزية ورود مناهلها وغزرت آثارها في أدبهم، فكانت فيه مادة فن وإمتاع وغبطة: كالتحدث عن المغامرات وروائع القصص وعجائب الرحلات، وجسام حوادث الماضي وعظائم أبطال الأمم، وممتع خرافات الأجيال وأغنيات طبقات الشعب وأقاصيصهم، كل هاتيك وجد فيها أدباء الإنجليزية منادح للفن والخيال ومعارض لميول النفس الإنسانية وطباعها وسجاياها المرسلة؛ أما الأدب العربي فيمتاز بكفكفة غلواء الخيال والتجافي عن البعيد من الأمكنة والأزمنة والازورار عن الأمم الأخرى والترفع عن العامة وثقافتهم المتواضعة، واحتقار الخرافة وأساطير الماضين.

واتخذ الأدب الإنجليزي التاريخ الواقعي مادة لموضوعاته: منه اتخذ الأليزابثيون مواضيع بعض رواياتهم، وفيه جال جيبون وسوذي وماكولي وكارليل، يدرسون كبريات الوقائع وعظماء الرجال وإليه رجع الشعراء والقصصيون، وقد صور سكوت في قصصه حوادث التاريخ تصويراً يفوق كتب التاريخ أحياناً دقة ووضوحاً، ولم يكد يلتفت إلى التاريخ من

<<  <  ج:
ص:  >  >>