للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كقول السري الرفا:

وإنك عبدي يا زمان وإنني ... على الرغم مني أن أرى لك سيدا:

والغريب أن أحد أولئك الشعراء المتشدقين بالفخر ربما قرنه في القصيدة الواحدة بشكوى سوء الحال وقعود الجدود وخيبة الآمال. والشكوى موضوع من مواضيع الأدب العربي كانت أقرب إلى متناول أدبائه منها إلى أدباء الإنجليزية؛ وقد فشت خاصة في آثار المتأخرين. والأدب العربي من جهة أخرى أحفل بوصف آثار الترف ومظاهره: من القصور والمحافل ومجالس الشراب وآلات الطرب ودواعي المجون. وللخمر خاصة منزلة في الأدب العربي لا نظير لها في الإنجليزية، وقد حظيت من جزالة أسلوب الأخطل وأبي نواس وابن الرومي بما خلد أوصافها وأعلى ذكرها، وقلما يرد ذكر الخمر في الأدب الإنجليزي إلا تظرفا وتشبها بالإغريق الأقدمين وإشارة إلى باخوس إله الخمر عندهم

وراج في الأدب العربي فنان ليسا من صميم الأدب في شيء، ومازالا يرقيان حتى احتلا مكان الصدارة من الأدب، وموضع الحفاوة من الأدباء، وهما المدح والهجاء اللذان استفحل أمرهما من عهد الأمويين فنازلا، حتى استبدا بأجزاء كبيرة من دواوين بشار وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي، وكادا يشغلان كل دواوين آخرين غير هؤلاء. وما كان ارتفاع شأنهما هكذا إلا نتيجة فساد تقاليد قديمة، كانت في الجاهلية تقاليد محمودة لا ضير فيها، ثم استمرت بعد ذهاب عصرها واندثار بيئتها بظهور الإسلام وقيام الدولة المتحضرة المركزية ففسدت تلك التقاليد وصارت بلاء على الأدب الصحيح

كان العرب الجاهليون يحرصون على حسن الأحدوثة، ويتمدحون بكريم الصفات، وينافحون خصومهم بالشعر، ويجزون من فعل ذلك عنهم، وكان ذلك كله وليد بيئتهم البدوية، فلما كان الإسلام والدولة والحضارة لم يعد لمثل ذلك التفاخر والتهاجي موضع، ولكن الشعراء استبقوا ذلك التقليد طلباً للنوال، والأمراء قبلوا منهم ذلك الأحياء المفتعل لتقليد غبر عصره طلباً للمجد الزائف. ومن العسير أن تحصى المساوئ التي جرها هذان الفنان من القول على الأدب العربي: مواضيعه ومعانيه وأساليبه

ولم يكن في الإنجليزية شيء من هذين الفنين يقاس بما كان في العربية، وحتى القليل من المدح الذي كان في بعض الفترات يستفز الأدباء الأباة إلى مثل قول بوب: (فلأعبر عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>