للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشروع في تحقيق هذا الرأي وانعدم هذا الرأي من عالم الأفكار والأحياء. فإذا قال ماكس نوردو كل هذا كان مصيباً في قوله، وإن كنا لا نقطع بحدود فجاءات النفس البشرية وحدود عدوى المحاكاة كمحاكاة الانقطاع المطلق عن الشر. ولعل تلستوي قد قدر كل ما قدره ماكس نوردو من شر يعود به الانقطاع عن الشر حتى في الدفاع عن الخير أو عن النفس أو عن الأحياء، ولكن لعله كان يؤمن بالنفس البشرية أكثر من إيمان ماكس نوردو بها فقدر أيضاً ذيوع الأخذ برأيه وانتشار عدوى محاكاة الانقطاع عن الشر حتى تعم الناس قاطبة بعد ويل يكون للبادئين بالأخذ به، والبادئون دائماً ضحية في كل رأي ومذهب. ولعله قدر أيضاً أنه لو أخطأ في إيمانه بالنفس الإنسانية فإن الويل والضرر اللذين يكونان نتيجة الأخذ برأيه مقبولان في سبيل تجربة قد تعود على الإنسان بالخير الآجل إن لم يكن عاجلا؛ ولعله قدر أيضاً أن المرء قد لا يأخذ برأي الانقطاع عن الشر المطلق دائما، ولكن هذا الرأي قد يبعد به عن الشر أحياناً أو قد يقلل من غلواء شره كما قللت رواد المسيحية من قسوة من اعتنقها من التيوتون الذين غزوا الدولة الرومانية وإن لم تقض على قسوتهم كل القضاء. ولم يكن تلستوي أول من فكر هذا الفكر، فأنه فكر تلتجئ إليه النفس الإنسانية المعذبة كلما حاولت التهدي إلى وسيلة تخلصها من شرور الحياة كما فعل البوذيون قديماً عندما دهمتهم قبائل المغول والتتر والتركمان في الهند، وكما فعل المسيحيون القدماء عندما كانوا مضطهدين في الدولة الرومانية الوثنية قبل اعتناقها للمسيحية

ثم لعل تلستوي قد قدر أيضاً أن دفع الشر بالشر يؤدي إلى خلود حب الانتقام والأخذ بالثأر؛ وكثيراً ما فنيت أسر وقبائل وشعوب بسبب خلود حب الانتقام والأخذ بالثأر جيلا بعد جيل. ونحن نرى الآن كيف يهدد الخراب عالم العمران بسبب دفع الشر بالشر والمباراة فيه.

فترى أن خطأ تلستوي ليس بالخطأ الذي يتهم صاحبه من أجله بالانحطاط والجنون كما فعل ماكس نورداو الناقد الألماني، ولم يكن هناك من داع في هذه الحالة لنظرية الانحطاط التي بنى عليها ماكس نوردو كتابه (الانحطاط) ولو انه اكتفى بإبراز الحيرة الفكرية التي أدت بهروب تلستوي من نظرية دفع الشر بالشر إلى نظرية إلا يدفع الشر بالشر وأوضح خطأ هذه الحيرة لكان أقرب للتقوى

<<  <  ج:
ص:  >  >>