ولكن من العدل أن نقرر أن طه حسين كثيراً ما كان ينسى هذه الخصومة. والكتاب ممتلئ بقطع عديدة، استطاع المتنبي أن يثأر بها لنفسه، وأن ينال من المؤلف كل إنصاف وتقدير بالرغم منه
والمواقف الظالمة التي وقفها المؤلف من الشاعر هي من الوضوح والظهور بحيث لن يخطئها القارئ؛ ونحن لا نشك في أنها البقية الباقية من أيام العهد القديم حين كان بعضنا يتعصب للمتنبي وبعضنا يتعصب عليه، وكان طه حسين دائما من الفريق الثاني. .
ولكننا برغم هذا التحامل - بل لسبب هذا التحامل - سنجد في مطالعة هذه الفصول متعة شائقة، بحيث لا يمكن أن نتناول الكتاب ثم نلقيه قبل أن نفرغ منه
يجب أن نطالع هذا الكتاب لا على أنه تاريخ أو نقد، بل على أنه قطعة أدبية فنية، تمثل صورة وتقص قصة. ولك أن تطالعه إذا شئت على أنه كتاب لطه حسين عن المتنبي. ولكنك بهذا ستضيع على نفسك لذة عظيمة ومتعة فائقة. فالوجه الصحيح للتمتع بهذا الكتاب هو أن تقرأه على حقيقته التي كشفت لك عنها في أول هذا المقال. فالموضوع الصحيح هو المتنبي مع طه حسين. أو إذا شئت اصطلاحا حسابيا فقل:(المتنبي مضروبا في طه حسين) فالكتاب هو حاصل هذا الضرب
وبهذا الاعتبار أو ذاك ستجد في مطالعة الكتاب لذة جديدة لم تكن تتاح لك من قبل. ولو كان في هذا الزمان إنصاف لشكرني الناس على الكشف الذي كشفت والهدي الذي هديت، ولكنا في زمن كما يقول صاحبنا:
إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال
والآن فبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن عشاق المتنبي أسجل هنا ما أحرزناه من النصر بانضمام عدو عنيد إلى صفوفنا.