على تأييد هذا الرأي، فاضطر إلى أن يصبغ الحوادث بالصبغة التي تتفق مع هذا الظلم، وأن يلتمس للشعر الخالص البريء أسباباً غير خالصة ولا بريئة
وقد وجد الأستاذ المؤلف نفسه في مأزق حرج أمام قصيد المتنبي (وا حر قلباه ممن قلبه شبم) فقد رأى المؤلف إنها قصيدة لا يمكن أن تصدر عن رجل خلقه الأساسي أنه عبد للطمع والمال لا للجمال والفن. فماذا يفعل بهذه القصيدة التي إن دلت على شيء فإنها تدل على أن المتنبي رجل خلقه الأساسي الشمم والأباء. لم يكن للمؤلف بد من أن يمر بهذه القصيدة مراً، وأن يختصر الكلام عنها، وعن الحادث الذي تدل عليه اختصاراً. وأن يعتذر عن ذلك بأن الناس قالوا فيها فأكثروا. . أما ما اشتملت عليه القصيدة من الفن الهائل فأنه لا يظفر من المؤلف إلا بالعبارة الآتية: نلاحظ مسرعين أن المتنبي قد وفق فيها إلى حظ لا باس به (كذا) من الإجادة الفنية. . سلك طريق ابن الرومي فألح في العتاب حتى كاد يبلغ الهجاء. وأسرف في المدح ليصلح ما أفسده بالعتاب.)
هذا كل ما يقوله عن هذه القصيدة هذا المؤلف العجيب الذي يخصص ست صفحات من كتابه لقصيدة (كفرندى فرند سيفي الجراز)
ونحن نلاحظ هنا أمراً مدهشاً قد ساق المؤلف إليه إصراره على تجاهل هذه القصيدة. .
ولنمر أولا - مر الكرام، على قوله أن بها حظا لا باس به من الإجادة الفنية، ولكننا نقف قليلا عند قوله إن المتنبي أسرف في المدح ليصلح ما أفسده بالعتاب)
إن أقل إلمام بهذه القصيدة يرينا أن ما اشتملت عليه من المدح ليس من النوع الذي يوصف بالإسراف. ومهما يكن من شيء فإن هذا المدح مقدم في أول القصيدة، لا لإصلاح ما أفسده العتاب، بل توطئة للعتاب القاسي واللوم المر؛ والقصيدة تزداد شدة وعنفا كلما اقتربنا من النهاية؛ حتى تنتهي فعلا بتهديد سيف الدولة بالانصراف عنه والرحيل من دياره
وهذه القصيدة تدل على براعة فنية هائلة، وعلى خلق متين وعر. ولذلك لا نتفق مع الدعوى بأن المتنبي عبد للطمع والمال، ذليل للملك والسلطان، ولذلك تجاهلها المؤلف ومر بها مرا سريعاً. . .
وبعد فليست بي حاجة لأن أدلي بأمثلة أخرى يظهر فيها ما بين المؤلف والمتنبي من خصومة قديمة. . ففيما ذكرناه كفاية لأن يرى القارئ أن المتنبي مع طه حسين مظلوم.