يجهل الطفل شؤون الحياة، ولا يكاد يعرف منها كثيراً ولا قليلاً، ويعرفها الشاب أو يعرف منها الكثير فتستهويه وتستميله، غير أنه لا يساهم فيها، ولكن الرجل يمتزج بها ويحاول أن يغيرها، تحنكه التجارب وتوقره الحوادث، ويروضه الزمان ويثقفه الجديدان، وتشحذ قوته العقبات. وتعلى مكانته التبعات، وتوقظ مشاعره الآلام النبيلة، والعبرات الصادقة. . هذا عصر الإنتاج المثمر، والكفاح المجدي، والعزائم التي تولد من عناصر الضعف قوة، ومن ظلام اليأس نور أمل. هذا عصر القيادة والزعامة والابتكار، هذا عصر المجد والنور بل هذا عصر الإنسانية الحقيقي!!
في الطفولة عذوبة وسحر، وفي الشباب نظرة وجمال، ولكن كليهما ليس فيه غناء، لا لصاحبه ولا لوطنه ولا للإنسانية جمعاء، فالأطفال والشبان يعيشون في هذه الحياة كلا على الرجل، فالرجولة وحدها هي التي يؤمل لها أن تبلغ الغاية القصوى، والمثل الأعلى، وهي التي يحق لها أن تطمح إلى الخلود إن كان لشيء في هذه الحياة خلود!!
أما الشيخوخة فمتى كانت مدعمة بالرزانة والحزم، ومجردة من الهوى والأثم، وكان معها توبة من الذنوب وإقلاع عن المعاصي أضحت للذابل طلا وندى، وللفائت ترجيعاً وصدى، وما أشبهها بأصيل يوم ربيعي رق وصفا!
لينسَ الشيخ المعمر لحظة ما وسع من أحزان وآلام، وما أبتلى به من أوصاب وأسقام، وما نزل به من خصاصة، وما حضره من إملاق، وما لقي من عنت وإرهاق، وما صادفه من تعثر وإخفاق، ولينس مع هذا وقبل هذا أن قناته قد اعوجت، وأن عظمه قد وهن، وأن الدهر عاضه من نضارة عوده ذبولاً، ومن سواد عِذَاره قتيراً، وإن استطاع فلينس أيضاً أنه متى حان حينه طوى بساط عيشه، ووافاه حمامه فكحله بمروده. ولفه في مئزره، وأنتزعه من بين ابنة له وابن، ووالدة وخدن. وصاحبة وناي ودن، ليواريه في حفرة قد ضاقت مساحتها وأحلولكت جوانبها. . . فان فعل، وحري به أن يفعل، فثم قصيدة فيها سحر وجمال ومتاع سوف يخلقها له خياله. . قصيدة تبدأ بألاعيب الطفولة المرحة الطروب يتضوع منها شذا الوداعة والعذوبة والإيناس، ويفج منها نور السذاجة والبراءة والعفاف، ويغرد من فوقها البلبل والورقاء والحسون!! وتتصل بها آمال الشباب وأمانيه وأناشيده وأغانيه وتأملاته ونجواه ولياليه وليلاه. . . ثم تعقبها الرجولة بما أخذت من تبعة واحتمال،