أيها الطينُ ما ترى بك أبغي ... لستَ - فيما أرى - لشيء كفاء
إن طلبتُ السماء قلت ليَ الأر ... ض - أو الأرض كنتَ لي عصَّاء
إلى آخر هذا الهراء. . . ولم يكن هذا الطين يستعصي عليه شيء يومئذ. وما قلت ذلك إلا في ساعة فتور شديد جعلني كاليائس أو انسياقاً مع المعاني التي ولدتها روح القصيدة وأنا انظمها. ولم يكن يخطر لي أني سأذكر هذه الأبيات التي رميتها وأهملتها حتى مرت الفتاتان بعد عشرين عاماً ونظرت إحداهما - وأحلاهما - إلى الشيب في فودي وقالت وهي تميل على صاحبتها (ده عجوز)
إيه يا فتاتي الصغيرة أما والله إني لأشتهي أن أفتح ذراعي وأضم كل فتاة خود مثلك - أضم ملايينكن دفعة واحدة في عناق مفرد كما أراد من نسيت اسمه - نيرون إذا كانت الذاكرة لم تخني - أن يضرب أعناقكن جميعاً بضربة سيف واحدة. . ولعله استسهل هذا واستخف مئونته واستضأل كلفته. وإني لأرفق بكن منه - أو لعلي أقسى فما أدري - ولكنكن ملايين والطين ضعيف واه. . وإني لأراني كما يقول ابن الرومي:
وإني لأحس الحياة ثقيلة الوطأة على كاهل الصبر. . وإني لعود في الليل إلى داري فتقول لي زوجتي ألا تستريح؟ فأقول كلا. . لا راحة لحي. . وأمضي إلى مكتبي وأجلس إليه وأهم بالكتابة فأرى النعاس يثني رأسي على صدري، فأنهض متبرماً، ساخطاً على هذه البلادة، وأقول لنفسي وأنا أرتمي على الفراش أترى لو كنت في مجلس لهو وطرب أكنت أفتر هذا الفتور؟ ويغلبني النوم قبل أن أسمع جواب النفس. . وإني ليكون أمامي الطعام الجيد المشتهى فأمد إليه يدي محاذراً وأتناول منه مترفقاً وعلى قدر مخافة الكظة أو الانتفاخ، ولم أكن أبالي ذلك قبل سنوات. . وإني لأهم بزيارة الصديق فيصدني أن درجات سلمه كثيرة فأرتد وألعن أصحاب العمائر الذي لا يتخذون المصاعد. .
ولم يرضني هذا السخط على نفسي فقلت وأين هذا الفتور؟ ومن ذا الذي لا يكل أحياناً؟. إني أعمل كالحمار بالليل والنهار وأكتب في اليوم الواحد فصولاً ثلاثة أو أربعة لأكثر من صحيفة واحدة. وأقطع بالسيارة أكثر من خمسين كيلو في نهاري، واسهر إلى منتصف الليل، ثم أقوم في الفجر مع الديكة والعصافير وأقصد إلى مكتبي وأروح أدق على آلة