الحديث يستغرقهم فيصطدمون أو يحدث غير ذلك مما يضحك ويشرح صدر المتفرج. وأنظر أيضاً إلى الفتيات الناهدات وهن يمشين متخلعات متثنيات متقصعات وعيونهن دائرات في الرجال فإذا نظروا إليهن أغضين كأنما كن ينظرن عفواً. إلى آخر ما لا يسع المرء إلا أن يراه في الطريق. فحدث يوماً أني اشتريت شيئاً من دكان ثم دخلت السيارة وقعدت فيها وشرعت أدخن وأجيل عيني في الناس فكان الرجال يمضون ويمرون بي ولا يعيرونني الفاتاً؛ أما الشبان فكانت عيونهم ترمقني خلسة. وأما الفتيات فكن يحدقن في وجهي صراحة، فكنت ابتسم مسروراً بهذه المناظر. فمرت بي فتاتان بارعتا الجمال فلما بلغتا حيث كنت وافقاً مالت إحداهما على الأخرى جداً وهمست وهي تنظر إلي: ده عجوز، ومن الغريب أني سمعت الهمسة الخافتة على بعد مترين، وأحسب أني ما كنت لأسمع ما تقول لو أنها صاحت بأعلى صوت (ما أحلاه وأجمله وأبرع شبابه) وأكبر الظن أن الترام كان يمر حينئذ فيغرق هذا الثناء بضجته فيفوتني ما يسرني. أو تسقط عمارة فيفزع الناس ويذهلون ويشغل الخلف بذلك وأنا في جملتهم. . . وأنا أتكلم أولاً ثم أفكر بعد ذلك؛ والأولى العكس، ولكن هذا ما أصنع غير عامد. فلما سمعت الهمسة الثقيلة رأيتني أصيح بالفتاتين (فشرتِ. فشرتما. فشرتن) فضحكتا وتثنتا وذهبتا تعدوان
ولم يسؤني قول الفتاة إني (عجوز) فما كانت سنها تزيد على الرابعة عشرة وأنا فوق الأربعين بسنوات فهي طفلة بالقياس إلي وليس في وسعها إلا أن تحس هذا الفرق. وغير منتظر أن تدرك أن صباها صبى جسم لا أكثر. وان شبابها الذي تزهى به طراوة ولين ملاسة ونعومة. وعزيت نفسي بلهجة المتشفي به بأنها ستفقد ذلك كله حين تناهز الأربعين وأنها لن تجد يومئذ عوضاً عما فاتها وأن نفسها ستسبق جسمها إلى الذوى. على حين أظل أنا فيما أرجو شاب النفس لا يضيرني أن الزمن يكون قد حفر على وجهي وجلدي أخاديد عميقة. ومن العدل أن تباهي الفتاة وتزهى بما لا عوض عنه وليس من الإنصاف أن أنكر عليها ذلك أو أكرهه منها
ثم رجعت أقول لنفسي ولكن ما قيمة شباب النفس وحده. .؟ ما جدواه إذا فقد الجسم شبابه. .؟ وتذكرت أبياتاً من قصيدة طولية كنت قلتها منذ عشرين عاماً ولم أنشرها - بل نشرت بضع مئات منها في صحيفة أسبوعية -