للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والخير كل الخير أن يأخذ الأدب من كلتا الناحيتين بنصيب، والأدب الذي اجتمع له رحب الطبيعة وحرارة شعورها وجمالها، إلى ثقافة المدينة ووسائل التوفر الأدبي فيها، أدب لا شك بالغ من الرقي غاياته؛ أما الدب المتبدي فيظل على صدقه وجماله قاصراً ساذجاً، وأما أدب المدينة الذي بلغ في الانغمار في جوها وأهمل جانب الطبيعة، فسائر إلى الفساد والانحلال لا محالة

والرومانسية هي الصفة التي ينعت بها عادة الأدب الذي يؤثر جانب الطبيعة، ويحفل بمظاهر عبادتها والتأمل في ظواهرها ووصف مشاهدها والسبح في آفاقها، يؤثر كل ذلك على اللفظ فلا يهتم بهذا إلا بقدر ما يستخرجه في إيضاح أغراضه. وعلى حياة المدينة فلا تستغرق شؤون السياسة وعلاقة رجاله برجالها ورجال البلاط والحرب كل جهده والتفاته، ولا يصرفه الحاضر عن الولوع بالماضي والتأمل فيه وفي المستقبل، ولا ريب إن ذلك لا يعني إهماله لجانب الحضارة والثقافة، بل هو بهما شديد الولوع ويدرس ماضيهما ومستقبلهما شديد الشغف؛ والكلاسية هي النعت الذي يطلق على الأدب الذي استغرقته حياة المدينة وشغل بها عن جانب الطبيعة وانغمر فيها رجاله، في مجتمعها ومندياتها ومعاركها السياسية والحزبية والشخصية، وآثر التألق في اللفظ والشكل الأدبي وكفكف العاطفة فحل محلها الذكاء والبراعة واللباقة، وضيق مجالات القول وحدد أغراضه، وكل هاتيك صفات ولوازم تعلق بالمجتمع المترف وتنعكس عنه في الأدب

وقد كانت الصبغة الرومانسية هي الغالبة على الأدب الإغريقي في عهد عظمته، لأنه ترعرع في مجتمع قريب من البداوة، وفي حياة شديدة النشاط مطردة الحركة، تجيش بالمغامرة والجلاد، وفي حرية في الفكر والسياسة. أما الأدب اللاتيني فكان اكثر اصطباغاً بالكلاسية لأنه لم يبلغ ذروته إلا في ظل الملكية المطلقة والإمبراطورية الموطدة المستقرة. فكان أدب مدينة وثقافة متانقة، واشتهر أعلامه كفرجيل بإحكام الأسلوب والتشبث بمبادئ وتقاليد أدبية خاصة، وما زالت إلياذة هومير وأنياد فرجيل موضوع مقابلة من هذه الناحية. وكان أدباء الإنكليزية اكثر احتفالاً باللانينيير وإقتداء بهم في العصر الكلاسي في الأدب الإنكليزي، كما كانوا في عهده الرومانسي أميل إلى اليونان واكثر تغنياً بآثارهم، وبعدم اطلاع الأدب العربي على الأدب اليوناني فقد هذا العصر الرومانسي الذي اصبح في حاجة

<<  <  ج:
ص:  >  >>