إليه، حين انتقل إلى المدينة وشغل بآثار الحضارة والثقافة
وقد كانت الرومانسية هي الصفة الغالبة على الأدب الإنكليزي في العصر الإليزابيثي؛ ففي ذلك العهد كانت البساطة والخشونة تسودان المجتمع والبلاط؛ والحركة والنشاط والتطلع تتجلى في شتى نواحي الحياة: في العلم والأدب والكشف والمخاطرة والحرب. كان عهد نهضة تتحفز وتستشرف إلى الجديد وترمي إلى التوسع، لا تقنع بالقليل الحاضر ولا تقبل القيود والحدود؛ وزمن شباب يولع بالقوة والجلاد ويبرم بالأنيار والأقياد، فهو لا يرضاها في الأدب؛ ومن ثم جاء أدب ذلك العصر غزير المادة متلاطم العباب مترامي الأفاق، جياشاً بشتى العواطف والمعاني، حافلاً بمختلف الأوضاع الأدبية والمذاهب الفنية، لم يتقيد رجاله بتقاليد فنية غير معقولة: فعلى حين تقيد أدباء الفرنسية بالوحدات الثلاث التي أثرت عن الدرامة الإغريقية، انتفع الأدب الإنكليزي بخير ما في تلك الدرامة وضرب بتلك الوحدات عرض الحائط؛ ولم يتقيد بألفاظ خاصة في الشعر، مما اصبح فيما بعد يسمى (الألفاظ الشعرية) بل زاد على استعمال كل ما في لغة الكتب أن اقتبس من لغة العامة واصطنع بعض ألفاظ اللغات الأجنبية، واشتق ما راقه من ألفاظ. واخرج هذا العصر الحافل كبير شعراء الإنكليزية شكسبير، وانجب بجانبه أحد كبراء شعرائها سبنسر، وامتد هذا العصر حتى انتهى بظهور علم ثالث من أعلامها هو ملتون
تصرم ذلك العهد المملوء بالحرية والنشاط والجرأة والفتوة، وتلاه عصر كلاسي طويل، بين أواخر القرن السابع عشر وأواخر القرن الذي يليه، خمدت فيه روح المغامرة والتطلع التي كانت متنبهة في عصر إليزابيث، واستراح الناس إلى حياة المدينة ومنتدياتها، وانغمر الأدباء في المعارك الأدبية فيما بينهم، فكان نزاع بين كل من دريدن وأديسون وستيل وديفو وسويفت ومعاصريهم، محتدم حيناً ومترفق حيناً، ومعلن تارة ومستتر أخرى؛ وانغمروا كذلك في المشادات السياسية وانضووا تحت ألوية الأحزاب، وشجعهم رجال تلك الأحزاب على الانخراط في سلوكهم والذود عن مبادئهم بأقلامهم، فكان سويفت في صف المحافظين، وادسون في جانب الأحرار، وكان ستيل يختلف من هؤلاء إلى أولئك. وخلا أدب ذلك العصر أو كاد من ذكر الطبيعة ومجاليها، وحتى أولئك الأدباء الذين كانوا يرحلون إلى الأقطار الأجنبية، لم تكن تحرك نفوسهم مناظرها الجديدة، فكانوا يتناولون في رسائلهم إلى