أصدقائهم في الوطن شتى المواضيع ماعداها. واهتم أدباء ذلك العهد باللفظ كل اهتمام وقدموه صراحة على المعنى، وجعلوا للشعر ألفاظاً لا يتعداها ومواضيع لا يتخطاها، واتخذوا للشعر وزناً واحداً مزدوج القافية لم يكد أحد ينظم في سواه، وقلدوا الأقدمين من أدباء الإغريقية واللاتينية ونقادهما. وانصاعوا لمبادئهم انصياعاً أعمى؛ وبهذا كله ضاقت حدود الأدب ضيقاً شديداً، وأرهقه التكلف وفدحته القيود، فسار إلى الانحلال
وزعيم هذا المذهب الكلاسي الذي بلغ اوجه على يديه هو بوب الذي نال الغاية من إحكام اللفظ، وقد قال عنه بعض مترجميه إن شعره ليس إلا نثراً جيد النظم، وذلك حق: فهو يتناول في شعره مواضيع هي أقرب إلى النثر وأبعد عن الخيال والشاعرية؛ وكان يسمي بعض قصائده (مقالات) ومنها مقالته في النقد التي نظم فيها مبادئ المذهب الكلاسي في الأدب ونقده، فظلت مرجعاً لمن تلاه من شعراء المذهب، ومنها يقول:(تعلم إذن التقدير الحق لمبادئ الأقدمين، فمحاكاتها هي محاكاة للطبيعة، فتلك المبادئ القديمة - التي إنما اكتشفت ولم تخترع - إن هي إلا الطبيعة؛ غير أنها الطبيعة منظمة مهذبة)، وقد ترجم بوب إلياذة هوميروس ترجمة قدسها معاصروه، ولكنها قلما تذكر الآن أو يعتمد عليها أو تعد صورة صحيحة لشعر هوميروس، إذ كان من المستحيل على أديب مشبع بالروح الكلاسي أن يخلص إلى روح الشاعر الإغريقي الرومانسي؛ ثم دبت في المجتمع الإنجليزي روح جديدة، وانتعش الأدب الإنجليزي من خموله باطلاعه على آداب الأمم الأخرى الناهضة كالأدب الألماني، والعودة إلى صدر الطبيعة الرحب الحافل بالأسرار والحياة والوحي. تمخض كل ذلك في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل الذي يليه عن نهضة رومانسية جديدة فكت الأدب من عقاله ونبهت الشعر من غفوته، ورحبت آفاقه وبسطت جوانبه، وسبحت به في آماد الكون والطبيعة والإنسانية، وأنجبت هذه النهضة جمهرة أخرى من أفذاذ الأدب الإنجليزي؛ أنجبت وردزورث وبليك وكولردج، ثم بيرون وشلي وكيتس، ثم تنيسوت وبراوننج، عدا من أخرجت من أفذاذ النثر الذين جاء نثرهم حافلاً بمظاهر النهضة الجديدة؛ ولا غرو: ففي العهود الرومانسية يتجلى الروح الشعري حتى في النثر، وفي العصور الكلاسية يفيض الروح الشعري حتى في النظم؛ وما تزال تلك النزعة الرومانسية ملحوظة في الأدب الإنجليزي، على ما داخله من نزعة واقعية. وإقبال على