الأدبية، وتعود به إلى الطبيعة التي هجرها واستغرق في النوم في أحضان المدينة: لم تنبعث فيه تلك النهضة التي انبعثت في الأدب الإنجليزي في أعقاب القرن الثامن عشر، حين بلغ العهد الكلاسي مداه من التحكم في أساليب الأدب. وبلغ الأدب الدرك من الإسفاف والأمحال؛ ذلك لأن الأدب العربي كانت تعوزه تلك العوامل التي تساعد على النهضة وتعاون على الرجوع إلى الطبيعة وتنبت الميل الرومانسي، فكان استمرار النزعة الكلاسية المحتدمة في الأدب اكبر أسباب تدهوره الطويل.
فالأدب العربي لم يكن على اتصال بآداب أجنبية فيأخذ عنها حب الطبيعة وإيثار البساطة، ويلتفت باطلاعه عليها إلى حقائق الحياة الكثيرة التي أهملها، وهو لم يكن يتنازل فيتصل بآداب العامة وأقاصيص الزراع والرعاة، التي تنسم فيها نسائم الطبيعة والبساطة والشعور الصميم، وهو لم يكن يرجع إلى ماضيه الرومانسي الذي سبقت الإشارة إليه، فينظر فيه نظرة حرة مميزة، تستخلص اللباب وتنظر من خلاله إلى حقائق الحياة، إنما يرجع إليه طلباً للأسلوب واللفظ، دون المعنى والموضوع، كان يعده كنز لغة فصيحة الأساليب والألفاظ لا كنز حقائق منتزعة من الحياة الصميمة. فإذا نظر إلى المعاني حاول حكايتها وتقليدها تقليداً كاملاً على ما هي عليه، أي حاول الأديب أن يحيا في أدبه حياة البدو ويشعرهم بشعورهم كله، وكان الأجدر أن ينبذ ذلك جميعاً، ولا يهتم إلا بصدق تعبير أولئك المتقدمين عن شعورهم، ووجوب صدقه في تعبيره عن شعوره الصحيح، في عصره وحياته المخالفين لما كان قبله
ظل هذا المذهب الكلاسي التقليدي سائداً الأدب العربي، يقلد المتأخر المتقدم ويزيد عليه تقييداً وتضييقاً في مجالات القول وأوضاعه، مادام الأدب محجوباً عن غيره من الآداب بعيداً عما جهله أو تجاهله من حقائق الحياة والأدب، حتى أتيح له الاتصال بالآداب الغربية في العصر الحديث، فصحا من غفوته ونفض عنه تدريجاً غبار التقليد والتقييد اللفظي والمعنوي، وفتن بحقائق الكون ومحاسن الطبيعة التي كان عنها في شغل، وتناول شتى المواضيع التي كان حرمها على نفسه، وبالجملة تقشع عنه عصره الكلاسي الطويل، وأشرق عليه فجر نهضة رومانسية جديدة