إن موسيقانا لا تتعدى على الجملة: الضروب والمقامات، وهي لا تؤهل الإنسان للتلحين ما لم يكن الموسيقار قد وهب استعداداً طبيعياً وموهبة فنية وذوقاً سليماً كالشيخ سلامة حجازي وعبده الحمولي ومحمد عثمان، وبهم أسترشد ومنهم اقتبس جميع ملحنينا العصريين. المشتغلون بالموسيقى في مصر هم المحترفون والهواة وصبية رياض الأطفال وصبيات السنتين الأولى والثانية من مدارس البنات الابتدائية والجيش والبوليس والملاجئ وسنتكلم عن كل طائفة منهم.
إن المحترفين من عازفين ومفنين ومنشدين وملحنين يقنعون بالوصول إلى درجة متوسطة أو دونها، وليس عند أغلبهم ميل إلى الفن، والغاية التي ينشدونها هي كسب العيش بدرجة يغبطون عليها من القناعة، والهواة من الشبان يكتفون بحفظ بعض البشارف والسماعيات وجانب من المارشات والأدوار دون أن يهتموا بقواعد الفن وأصوله. وأما الفتيات فأغلبهن يتعلمن منهاج المرحومة ماتيلدة على البيانو، ويقلقن به الجيران إلى ما بعد منتصف الليل، ولا يعزفن نوتة واحدة ويستثنى منهم أفراد قلائل من الشبان والفتيات بلغن غاية عظيمة ويقولون دائماً هل من مزيد؟ ولكن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد. اغتبطنا حين رأينا مدة انعقاد المؤتمر الموسيقي أطفال رياض الأطفال ومدارس البنات الابتدائية يمثلون قطعاً استعراضية تمثيلية غنائية في غاية من الرواء والإتقان، ويمثلون أدوارهم برشاقة واسترسال ويغنون ألحانها غناءاً صحيحاً شجياً، وقد أعجب بهم أعضاء المؤتمر أيما إعجاب. ويسرنا أن نرى وزارة المعارف مهتمة بتنفيذ قرارات المؤتمر الذي أوصى بنشر التعليم الموسيقي في المدارس الابتدائية والتجهيزية، إذقررت الوزارة في هذا العام تعليم بنات السنة الثانية من المدارس الابتدائية.
أما موسيقى الجيش والبوليس والملاجئ فقد ترقت كثيراً في السنوات العشر الأخيرة، ولاسيما موسيقى البوليس فأنها تعزف كثيراً من القطع الإفرنجية ومنتخبات الأوبرات المشهورة فضلاً عن القطع العربية الراقية، كما أنهم اهتموا بتوحيد طراز آلاتهم حتى يكون فيها انسجام. وهم يعزفون عليها بلباقة وحسن تعبير ورقة لم تكن موجودة فيما مضى وإني أورد مثالين يظهران شدة الاهتمام بالموسيقى والتضحية العظيمة في سبيلها.
كلنا نعرف هكتور برليوز أعظم موسيقي أنجبته فرنسا، وكان من أول أمره طالباً في