الثورة لتقويض دعائم الاستبداد، فاخترعوا الآلات المدمرة والأدوات الهدامة واخترق صفوف الملايين أحد الشباب ووقف فيهم خطيباً يبين لهم بصوت جهوري زعزع عاصف ما يقاسونه من الآلام، ويدعوهم إلى مقاومة القوة الغاشمة بالقوة الغاشمة دفاعاً عن حقوقهم المهضومة وذوداً عن كرامتهم المثلومة. فهاج أهل الجحيم وماجوا وعلا منهم الضجيج. فأطفئوا جمرة الجحيم وزحفوا ثائرين هائجين ونشبت حرب ضروس بينهم وبين زبانية النار عاضد فيها الشياطين أهل الجحيم وأنجدت الملائكة زبانية جهنم ورموا بالصواعق والرياح والإعصار، والبروق والرعد، والبحار والجبال والبراكين. وكانت الحرب بادئ ذي بدء سجالاً، إلا أنها أسفرت في النهاية عن انتصار أهل الجحيم، فطاروا على ظهور الشياطين يطلبون الجنان، فاحتلوها وطردوا منها البله المساكين
ومن الإنصاف للعلم والحقيقة قبل الإنصاف للزهاوي أن نقرر هنا بأن الزهاوي لم يقصد من ثورته في الجحيم الشك بوجود الله عز وجل كما ظن السواد الأعظم من بني قومه وإنما كان مسلماً قوي الإيمان إلى أقصى حدود الإيمان والأمثلة على صحة ما نذهب إليه وافرة نورد منها ما يتسع له النطاق الذي حددناه لهذه الكلمة:
قال ما دينك الذي كنت في الدنيا ... عليه وأنت شيخ كبير
قلت: كان الإسلام ديني فيها ... وهو دين بالاحترام جدير
قال من ذا الذي عبدتَ فقلت ... الله ربي وهو السميع البصير
مذهبي وحدة الوجود فلا كا ... ئن غير الله القديم القدير
أنا هذا، فلا أبالي إذا ما ... أجمعت ثلة على تكفيري
أهل عصري لا يفقهون حديثي ... حبذا لو أتيت بعد عصور
أنا ما كفرت بكل عم ... ري بالكتاب المنزل
أنا لم أزل أشدو بنع ... تِ للنبي المرسل
يسائلني عن مذهبي وعقيدتي ... فريق من الأشياخ ما أنا منهم
فقلت لهم أما السؤال فبارد ... وأما جوابي فهو أني مسلم
ولكنني ما كنت يوماً مقلداً ... يرى أن حكم العقل في الدين مأثم
فما القلب مني بالسخافات مولع ... ولا الرأس مني بالخرافات مفعم