في بيتي. . بيتي أنا. . البيت الذي ورثته عن أبي وقضيت فيه خير عمري. . بل عمري كله. . وحولي جيراني. . أعرفهم ويعرفونني وأستطيع أن أجدهم عند الحاجة. . لقد رفسني مرة حمار في الطريق فأغمى علي فلما أفقت ألفيتني في بيتي على سريري. . هل تعرف من حملني؟. جيراني. . عرفني أهل الحي فحملوني إلى بيتي. لو وقع لي هذا في الحي الجديد الذي نقيم فيه الآن لجاء الإسعاف وحملني إلى مستشفى. .)
قلت (معقول. . أنت تفضل أن يحملك جيرانك وأهل حيك إلى بيتك في مثل هذه الحالة ولكن بنيك يفضلون في مثل هذه الحالة أن يحمل المرء إلى المستشفى. . زمنك لم يكن يعرف المستشفيات فأنت تنكرها وتشفق من أن تحمل إليها ولعللك تتطير من دخول المستشفى، وعسى أن يكون أسم المستشفى مقروناً في ذهنك بفكرة الموت. ولكن الزمن تغير. والرأي في المستشفيات اختلف، وأبناء هذا الزمن الجديد يؤثرون العلاج في دوره المجعولة له على العلاج في البيوت؛ فالذي تعده أنت مزية يرونه هم نقصاً، والذي تراه أنت شراً يعتقدون هم أنه خير. . وهذا بعض الفرق بين الزمنين)
قال:(ولكني كبرت يا سيدي. . ماذا يضرهم لو تركوني أقضي الأيام الباقية لي كما أحب؟)
قلت:(إنه لا يضرهم. وثق إنهم لا يأبون عليك ولا يكرهون لك أن تحيا حياتك على هواك ولكن تيار الزمن حملهم - وحملك معهم - إلى حيث لا تشعر إلا بالقلق وعدم الرضى؛ والذنب للزمن لا لهم)
قال:(إنهم يضحكون مني حين أقول لهم إن بيتنا قريب من المساجد فأنا أستطيع بلا عناء أن أزور السيدة نفيسة أو السيدة زينب وأن أصلي المغرب في سيدنا الحسين ثم أشرب الشاي المغربي البديع هناك في قهوة من القهوات القديمة. وأنتظر حتى أصلي العشاء ثم أعود إلى البيت. . يضحكون يا سيدي ويجعلون هذا موضوعاً لفكاهتهم. . لا يعجبهم إلا جروبي وشارع عماد الدين والسينما. .)
قلت: (أنت محق وهم غير مخطئين. . لقد فرغت من حياتك أو من واجبك فيها، فأنت تريد أن تفرغ لربك. ولكنهم هم في بداية الأمر وأول مراحل الحياة، ولكل حياة بداية ونهاية؛ ومن العنت أن تفرض عليهم في البداية الحالات النفسية التي لا تكون إلا في