النهاية. وأنت لا تشعر بالحاجة إلى السينما مثلا لأنك لم تعتدها إذ لم يكن لها في زمنك وجود، وقد عشت بغيرها أكثر عمرك ففي وسعك بسهولة أن تعيش بقية العمر من غير أن يخطر لك أن السينما لازمة أو أنها ملهاة مستحبة، ولكنهم هم نشأوا في ظلها فصارت من وجوه حياتهم المألوفة، وأحسبهم حين تعلو بهم السن ويفرغون من أمور الدنيا سيظلون يذهبون إلى السينما كما تذهب أنت الآن إلى المساجد للعبادة، ولن يكونوا حينئذ أقل منك زهداً في الدنيا أو انصرافاً عن باطلها أو ابتغاء لرضى الله. ومن يدري؟. . عسى أن تكون هناك يومئذ أشياء جديدة غير السينما يرتادها أبناؤكم فينكر أبناؤك على أحفادك هذا الشغف بالجديد الذي جاء به الزمن كما تنكر أنت اليوم على بنيك كلفهم بالسينما. لكل زمن يا سيدي حكمه، ولكل جيل روحه. . ويحسن بالمرء أن يوطن نفسه على ذلك)
قال:(نعم نعم. . إني لست جامداً ولا متعنتاً بل أنا أدرك ذلك كله)
قلت:(إن الإدراك وحده لايكفي، والمعول في مثل هذه الأمور على العادة لا على الإدراك)
قال:(صحيح. . ولكني مظلوم. . تصور أني لا أشعر برمضان في هذا الحي. . لا نسمع المدفع، ولا يدق الباب علينا أحد ليوقظنا للسحور. . ولا نسمع الطبلة القديمة. . ولا المؤذن. . لا. . لا شيء من ذلك. وقد احتجنا إلى المنبه لنستيقظ على صوته حتى لا يفوتنا السحور. . تصور هذا. . الحق أقول لك إني كنت لا أشعر أن هذا هو رمضان، ولا أكاد أصدق أن صيامي مقبول. . أهذا هو رمضان. .؟ من يقول هذا؟. . أين الأولاد الذين يطوفون بالمصابيح فيها الشموع الموقدة. . أين صيحات فرحهم وسرورهم بليالي رمضان. . أين السهرات اللذيذة. . سهرات الإخوان في البيوت. . إني أحس في هذه الشقة الضيقة التي نسكنها أني يتيم. . صحيح)
قلت:(أو لست يتيما. .)
قال (أعني أني أشعر بوحشة. . والباقي من عمري قليل، وكنت أرجو أن يتركوني أقضيه في بيتي وبعد أن أموت يمكنهم أن يصنعوا ما شاءوا. . وأظن أن هذا عدل)
قلت (عدل؟. . من يدري؟. . هل من العدل أن تفرض على ثلاثة أو أربعة ضربا من الحياة لا يوافق إلا واحد هو أنت؟. . ربما كان العدل أن تحتمل أنت ما يوافق الأربعة. . على الأقل هذا أقرب إلى العدل أو أشبه به. . العدل؟. . من يدري يا سيدي. .)