قال (إني أنظر إلى فائدتهم. . نحن الآن نخسر خمسة جنيهات كل شهر أجر للسكنى، ولو كنا في بيتنا لاستطعنا أن نقتصد هذا المبلغ أو أن ننفقه فيما هو أولى وألزم. . ألست توافقني؟)
قلت (تسألني الآن فجوابي نعم، ولو سألتني قبل عشرين سنة لكان جوابي لا. . الشباب يفعل ما يعجبه لاما ينفعه. . ينفق بلا حساب لأنه يشعر بفيض من الحيوية ولا يشعر بالحاجة إلى التدبير والاقتصاد. . مليونير. . كيف يبالي بالقروش والملاليم؟؟)
قال (ولكن ألا ينبغي أن يفكروا في المستقبل ويعدوا العدة للضعف؟.)
قلت (إن هذا يكون أحجى ولكن الشباب رأسه مثل التليفون. . أعني أنه يستطيع أن يقصي السماعة عن أذنه ويضعها فلا يسمع إذا هم صوت النذير بالكلام الثقيل. .)
قال:(يا شيخ لا تقل هذا. . إنه جنون)
قلت (صدقت. . إنه جنون. . ولكنه جنون القوة. . والشباب ينفض عن نفسه الهموم كما تنفض عن ثيابك التراب بإصبعك. . بلا عناء ولا اكتراث. . في وسعه ذلك لأنه عباب القوة زاخر. . والعقل يجئ. . مع الضعف. . والحساب له وقته. . أوانه، عندما يحس المرء بأنه بدأ ينفق من رأس ماله. . يا سيدي هل تعرف مهندسا استطاع أن يوصد بوابات الخزان في إبان الفيضان. . إنما يكون الخزن ويتيسر التدبير عندما تفتر قوة الماء الدافق ويؤمن شر اندفاعه على كيان الخزان. . كذلك الإنسان. . هل كنت تنفق بحساب دقيق في شبابك؟. .)
فأطرق، فقلت (إنك تنسى أنك كنت كذلك. . لو استطاع الكهول أن يذكروا كيف كانوا في شبابهم ولم يستغرقهم الإحساس بالحاضر وحده. . لعذروا. .)
قال (يعني انك موافق على ظلمي)
قلت (أسمع. . لو كان أبي حيا لما صبرت على معاشرته ولا أطقت الحياة معه في بيت واحد وتحت سقف واحد. . فأبناؤك خير مني ألف مرة)
قال (إن لك أبناء؟)
قلت (نعم ولا أسف ولا سرور. . وسأعنى بأن أدعهم يحيون حياتهم وحدهم وعلى هواهم حين يستغنون عن هذه التكأة التي هي أنا. .)