وقد كان لهذه النظرية أثر عميق في كتابات ويلز عن مجتمع المستقبل إلا أنه ذهب شوطاً أبعد، فزعم أن الفروق بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال ستتسع فلا تقتصر على نوع المعيشة بل سيتناول الجسم والعقل فينقسم البشر طائفتين متنابذتين متفاوتتين. طائفة قوية جبارة تسمو إلى أكثر ما يمكن أن يسمو إليه إنسان، فتكون نوعاً بذاته له مميزاته. ثم طائفة أخرى تنحط إلى أقصى حدود الإنسانية. مكانها تحت الأرض. وعملها آلة تديرها، ويكون من نتيجة المعيشة التي تعيشها أن يكيف عقلها فيصبح قاصراً محدوداً ويشوه جسمها فلا يصير قادراً إلا على حركة واحدة يأتيها.
ويشتد هذا الاختلاف وضوحاً. ويقوى هذا التباين ظهوراً، حتى تختفي أوجه التشابه بين الفريقين فلا تمازج بينهما ولا تزاوج ولا عاطفة هناك ولا علاقة، اللهم إلا تحكم قوي في ضعيف.
وهنا يتردد ويلز كثيراً. فهو لا يملك إلا أن يتساءل. أهذا هو الفصل الأخير من رواية الإنسانية؟ أم ذلك بداءة لثورة يثورها سكان ما تحت الأرض يحاولون فيها تخلصاً من ربقة العبودية الثقيلة؟
ويتحدث ويلز عن هذه الثورة ولكنه يتهرب من التكهن بنتيجتها الحاسمة، فهو في شك وأنت تعجب لهذا الشك. فكيف يمكن لقوم قد هزلت أجسامهم وضعفت عقولهم أن يصمدوا لطائفة لها من العقل أرقاه ومن الجسم أقواه؟
ولكن ويلز يعود فيعطيك صورة أخرى لهؤلاء الجبابرة من رجال الغد. فهم بعد أن استكشفوا ما في السماوات والأرض وبعد أن تسنموا الرقي حتى قمته لا يجدون ثمة عملاً يعملونه، أو معضلة يفكرون فيها، أو شاغراً يصرفون فيه ذكاءهم، فيلجئون إلى الرفاهية والتهتك ينهلون منها الكأس حتى الثمالة. وإلى الترف والخلاعة ينسون بها ما قد يلحقهم من سأم قتال، فتخبوا ملكاتهم وتضعف قواهم وتنحل عظمتهم
ولا شك أن حرباً تقوم بينهم وبين عمال الأرض السفلى هي حرب سجال!
لا يسعك وأنت تقرأ لويلز إلا أن تنسى نفسك فتتحمس إذا ما تحمس وتضحك معه إذا ما ضحك، وتتشاءم لتشاؤمه. وينسيك إعجابك بالقصة وبغرابة أفكارها وروعة خيالها. ينسيك موطن الضعف من ويلز.