وتحولها إلى خطة السلام المسلح، بعد أن كانت تعتمد على المواثيق الدولية والسلامة المشتركة والجهود السياسية، ففي حوادث العام الماضي تفسير شاف لهذه البواعث، وأولها وأهمها بالطبع هي المسألة الحبشية التي فتحت عيون السياسة البريطانية إلى حقائق لم تحسن تقديرها، فقد دبرت إيطاليا اعتداءها على الحبشة عامدة متعمدة، وغزتها واستولت عليها بوسائل عنيفة وحشية هي أدنى إلى القرصنة منها إلى الحرب الحقيقية، ولم تعبأ بالمعاهدات المعقودة والمواثيق المقطوعة ولا بكون الحبشية من أعضاء عصبة الأمم؛ وحاولت السياسة البريطانية أن تحشد دول العصبة ضد إيطاليا في جبهة أدبية اقتصادية تقاومها بالاستنكار والمقاطعة، فلم تحفل إيطاليا بهذا السلاح السلبي وسخرت منه كما سخرت من السياسة البريطانية ومحاولتها، وانتهى الأمر باستيلائها على الحبشة، ووطدت بذلك سلطانها الاستعماري في شرق أفريقية بجوار السودان ومنابع النيل وكنيا وشرق أفريقية البريطاني، ولم يكن موقف السياسة البريطانية يومئذ دفاعاً عن الحبشة ذاتها، وإنما كان وسيلة للدفاع عن مصالح الإمبراطورية، لأن قيام العسكرية الفاشستية في الحبشة على هذه الصورة المتحفزة يهدد سلامة الأملاك البريطانية ويهدد مواصلات الإمبراطورية في البحر الآحمر، وتوطد سلطة إيطاليا الاستعمارية يهدد سياسة بريطانيا البحرية في البحر الأبيض المتوسط، ولم تستطع بريطانيا العظمى يومئذ أن تلجأ إلى سلاح العنف لمقاومة المشروع الإيطالي. ولم تحاول أن تغلق قناة السويس في وجه القوات الإيطالية لأنها أدركت يومئذ أنها ليست مستعدة للطوارئ تمام الاستعداد، وأن من الخطر أن تدخل مع العسكرية الفاشستية المتوثبة في معركة لا تؤمن عواقبها لهذا كله اكتفت بمراقبة الحوادث، وشهدت على كره منها ومضض ظفر الفاشستية بغزو الحبشة وقيام الإمبراطورية الإيطالية الاستعمارية، وشهدت انهيار سياستها القائمة على تحريك العصبة؛ ولم يخف على السياسة البريطانية ما أحدثه ذلك الفشل من صدع لهيبتها ونفوذها الدولي، ولم يخف عليها أنها كانت قصيرة النظر حينما اعتمدت على فكرة السلامة المشتركة، وتخلفت في مضمار التسليح حتى تفوقت عليها فيه أمم أخرى أصبحت تناوئها الآن وتشاكسها
وفي نفس الوقت الذي نفذت فيه إيطاليا اعتداءها على الحبشة على هذا النحو المثير، أعلنت ألمانيا نقضها لميثاق لوكارنو الذي يكفل سلامة حدود الرين، كما أعلنت نقضها