لآخر النصوص العسكرية في معاهدة الصلح المتعلقة بتحريم التسليح في منطقة الرين. وإنكلترا من الدول الموقعة على ميثاق لوكارنو. ومع أنها لم تتأثر بتصرف ألمانيا قدر ما تأثرت فرنسا فإنها رأت في انهيار هذا الميثاق الذي كان يعد ضماناً قوياً للسلام في غرب أوروبا نذيراً سيئاً بانهيار فكرة السلام المشتركة وتقويض صرح السلام الأوربي، ورأت فيه بالأخص ضربة أليمة لشرعية العهود والمواثيق تنذر بانهيار سلطان القانون الدولي، وتبعث إلى الريب في قيمة العهود الدولية، وتحمل على عدم الاطمئنان إليها، ما لم تكن من ورائها القوة الكافية لتأييدها وضمان تنفيذها
ثم كانت المشكلة الأسبانية، وتدخل ألمانيا وإيطاليا فيها إلى جانب الثوار الأسبانيين لإقامة حكومة عسكرية فاشستية في اسبانيا؛ وقد لمحت إنكلترا منذ البداية شبح الخطر الذي يجثم من وراء هذا التدخل، وأدركت في الحال أن قيام حكومة فاشستية في أسبانيا تؤيدها إيطاليا وألمانيا، وكلتاهما تضطرم طموحا إلى الفتوح الاستعمارية. مما يهدد سيادتها في غرب البحر الأبيض المتوسط، وهي سيادة تحرص عليها بالسهر على مدخل هذا البحر من مضيق جبل طارق، وهو توجس لم تلبث أن حققته تطورات الحرب الأسبانية، وتدفق الجنود الإيطالية والألمانية إلى أسبانيا. وما قامت به الدولتان من المناورات الاستعمارية المزعجة في جزر البليار ومراكش الأسبانية
إزاء ذلك كله شعرت إنكلترا بحقيقتين بارزتين، الأولى أن هناك خطرا حقيقيا على سيادتها في البحر الأبيض يتفاقم يوما بعد يوم، وان إيطاليا الفاشستية تبذل جهودا جبارة لتحطيم هذه السيادة؛ والثانية أن سلام أوروبا لم يعد مكفولا، وأن ألمانيا وإيطاليا المدججتين بالسلاح أصبحتا بما لهما من القوة العسكرية تتحكمان في سلام القارة، وتهددانه في كل لحظة بنزاعاتهما وأطماعهما العنيفة، وأنه أضحى من العبث أن تعتمد السياسة البريطانية على سياسة العهود والمواثيق والسلامة الاجتماعية، وأنه لابد من اعتمادها على القوة للدفاع عن سلامتها ومصالحها الإمبراطورية الواسعة؛ ومع أن إنكلترا عقدت في يناير الماضي مع إيطاليا اتفاقا باحترام الحالة القائمة في البحر الأبيض، والاعتراف بالمصالح المتبادلة وهو ما يسمونه باتفاق (الجنتلمان) فان السياسة البريطانية لم تكن ترى فيه على ما يظهر أكثر من وسيلة لتهدئة الحالة وتسكين الأعصاب المضطربة واكتساب الوقت؛ بل يلوح لنا أن