الرفيع من الاذى؛ والحرب من جهة ثالثة أوحت بآثار أدبية شتى في تبغيض القتال، وتسفيه اعتداء الإنسان على الإنسان، والحض على السلم والدعوة إلى الإخاء والصفاء وأن كان أثر هذه الدعوة في الأدب اقل كثيراً مما فيه من الترنم بمجد الانتصار والتغني بالعز والغلب، ولم تكثر آثار تلك الدعوة في الأدب إلا في العصر الحديث
وكل هاتيك الآثار بينة في الأدبين العربي والإنجليزي، فقد خبت الأمتان وأوضعتا في مجال الحروب. وكان بين كل منهما وبين جيرانها وأعدائها ملاحم ومواقع جسام، وشهد أدبها قيام نهضة حربية عظيمة وتشييد إمبراطورية واسعة، وأنجبت كل منهما عظماء القادة وحازت مشهود الانتصارات، وأذاقت أحيانا مرارة الهزيمة، ووقفت مراراً حيال الأخطار الجائحة التي تهدد كيانها وحريتها وتقاليدها، وشهدت الكثير من أمثال هذا كله يجري بين الدولة المجاورة والأمم المعاصرة لها، وعلى كثرت ما يحتويه الأدب العربي من اكثر، وذلك لأسباب عديدة:
فأولى ارتقى الأدب العربي وتوطد والأمة العربية ما تزال منشقة متناضلة، تتفاخر قبائلها بأيامها وانتصارتها، أما الأدب الإنجليزي فلم يبلغ عظمته إلا في ظل القومية الموحدة، ولم تنشق الأمة على نفسها ويمتشق بعضها الحسام لقتال البعض إلا مرة واحدة في عهد الصراع بين الملكية المطلقة والنظام الدستوري، وهي الفترة التي أنجبت القائد العظيم كرومل، وفيما عدا ذلك يمتاز التاريخ الإنجليزي بحروبه من الحروب الأهلية
وثانيا كانت الحروب اكثر طروءاً في تاريخ العرب منها في تاريخ الإنجليز حتى بعد توطيد الإمبراطورية: فان تلك الإمبراطورية ظلت - مادامت لها قوتها - تجالد أعدائها في الدين من روم ووثنيين، حتى إذا ما وهنت قوتها انقسمت على نفسها، وكثرت في داخلها الدويلات والحروب
وثالثا لأن كثيراً من أعلام الأدب العربي كعنترة وقطري بن الفجاءة والمتنبي وأبي فراس، كانوا جنوداً يشهدون الوغى ويمتدحون بمآثرهم فيها، وقلة من أدباء الإنجليزية من كان كذلك، بل لقد ذكر أن المقاتلة في عهد التلاحم بين علي ومعاوية والخوارج كانوا إذا تهادنوا ليلا تقابلوا تقابل الأصفياء يتناشدون الأشعار
ورابعاً كان جل شعراء العربية المتأخرين متصلين بالأمراء والقواد فلم يكن لهم ندحة عن