بطرسبورج، في العاشر من فبراير سنة ١٨٣٧، وهو سليل أسرة من الأشراف، كان من شأنها الإعجاب بكل ما يتصل بفرنسا والفرنسيين ولا سيما آدابهم.
وكان الفتى إسكندر يحفظ عن ظهر قلب كثيراً من بدائع موليير وفولتير، ولم يكن الحفظ عسيراً عليه، لما أوتيه من ذاكرة قوية ممتازة، وقد ظل طوال حياته قارئاً نهماً، حتى روي أنه لما حضره الموت شخص ببصره إلى الكتب المرصوفة على الرفوف وقال:(وداعا يا رفاقي الأعزاء).
وأجداد بوشكين من جهة أمه أفريقيون، ويحتمل أنهم أحباش، وقد جُلب جده (أبرام هانيبال) إلى بطرسبورج - من القسطنطينية - هدية إلى البطرس الكبير، ثم صار سكرتيره الخاص، وكان بوشكين يفتخر بجده الأسود، وكان متأثراً بدمه الافريقي، ولعل في هذا الدم يداً في نُضجه المبكر، وفي هذه الحرارة التي تفيض بها أغانيه، على أن هذا التأثير لم يبلغ من الشدة بحيث يظن كثيرا من الناس
وفي سنة ١٨١١ دخل الليسيه في تسارسكوي سيلو، وهي مدرسة داخلية أسسها القيصر المتحرر الفكر إسكندر الأول، وشيد بنايتها في جانب من بلاطه؛ وهناك أنفق بوشكين ست سنوات سعيدات، طبعت أثناءها أولى قصائده، وكان عمره عندئذ أربعة عشر عاماً
ولما ترك المدرسة التحق بوزارة الخارجية، ولكنه لم يحبر قط بلاغا رسميا، وما كان ينتظر منه لك، وما بلغ الثامنة عشرة حتى كان باعتراف شيوخ الأدب، من أمثال كارامازين وجوكوفسكي، زعيما لشعراء عصره، وحتى كان شعره بغية الشبان يدرسونه ويحفظونه
وقد لعبت السياسة دوراً مهما في حياته، فمع أنه لم يكن عضواً في الجمعية السرية التي تشكلت سنة ١٨١٨، ثم سحقها الجيش في فتنته التي شبَّ أوارها سنة ١٨٢٥، فانه عبر في قصائده عن أغراضها - وخلاصتها تأليف حكومة دستورية وتحرير الفلاحين - تعبيراً أقوى وأشد إقناعا من برامجها الطويلة ولكن ما لبث الرأي العام أن اشتد في مطالبته بالإصلاح والتحرير فقلَّ تسامح القيصر وفترت همته الإصلاحية، وكان بوشكين أول من نزلت به عاقبة هذا الخلاف بين الإمبراطور ورعيته وذلك أنه نشر في ذلك الوقت قصيدته الموسومة (بالحرية)، وقصيدتين أخريين في هجو أرا كتشيف فنفي على أثرها إلى جنوب