كل ما يشرح هالك) على أن من حسنات عبقريته أنه وجد في (ستندال) وفي (تين) وفي عبقريته الشخصية شيئا لم يقف عند التنقيب عن الأسباب والأعمال فانه تعلم - من وراء ذلك - حال تركيب العلل والاسباب، وهو القائل (إن العقل المدرسي الذي يجدي في المخاصمة الخطابية يجدب حين يريد أن يخضع لقوانين قوة النمو - المخنوقة والمتبدلة - في الحياة، والدرس العلمي ينبغي له ألا يقنع بتوضيح هذه القوات المشوشة، وإنما ينبغي له أن يعمل على إظهار التبدل فيها، والدوافع والحياة، ومن هذه الناحية وحدها تصبح آثار بورجيه روايات - لا مناقشات - كل شخص فيها عالم مستقل بذاته - عالم لا قانون - هذه خلاصة قصته (قلب امرأة) - وهي خير ما سطره يراعه، لا تقف رواياته على التحليل المنطقي فحسب، وإنما هي توليد وإحضار وبعث للنفوس.
أما المثالية العلمية عند بورجيه فقد اختلفت جد اختلاف عن مثالية (تين) فهو لا يجحد المذاهب العلمية، حتى إذا حاول أن يذود مثلا عن مذاهب سياسية تراه يجرب أن يجعلها قواعد تجريبية ترتكز على أعمال في المجتمع وأعمال في التاريخ ولكنه - في عالم الإيمان - نراه اخذ يتحرى عن شجرة غير شجرة العلم، وعنه يقول النقادة (جول ليمتر): إن رجل اليوم هو عقلية مزيجة من العقل العلمي، والشعور الرقيق الكئيب، والقلق الخلقي، والرقة العطف، والتصوف. الروح العلمية - عنده - لم تنجح إلى عمارة الدين والأخلاق ولكنها تركتهما قليلا قليلا يعملان على فرض قواعد الحياة، وقبل أن يغدوا بورجيه رسول دين وسياسة تحول عن حلقة العلم الضيقة.
وهو القائل: إن إنسان الرغبة والأنانية، الذي لا يحيا إلا ليحلل نفسه، ولو كان من جزاء ذلك تعاسة الآخرين، هذا الإنسان قد مات بنفسه) وهو القائل:(بألا حياة حقيقية إلا في مثل أعلى للإخلاص والتزهد، مثل أعلى في الدين، إذ لا تمكن الحياة مطلقة تحت رحمة الأهواء وتقلباتها المستمرة.
هنالك فئة من الأدباء حاربت أدب الديمقراطية والاشتراكية حربا عنيفة. ولقد عالج بورجيه في روايته (التلميذ) المذهب المادي، وتطرق إلى قواعد تين وبرتلووريبو. والقصة ترى أن المذهب المادي خطأ، ولا يمكن في كل الأطوار البرهنة على أنه مذهب حق. على أنه إذا كان حقا فلا يمكن نشر ذلك والجهر به، إذ أن هذا التعليم يمكن أن يخلق تلاميذ كهذا