وإن مثل هذا الخلق لا يمكن أن ينضج إلا في جو طليق حر بعيد عن التكلف والقيود المعدوم أثرها في الصحراء. وإذا نظرنا إلى هذه الأبيات وما توحيه من المعاني تجد أنها كافية في الرد على أولئك الذين يزعمون أن الإسلام قد رفع منزلة المرأة الاجتماعية، وإن يكن من بعض الوجوه قد رفع مستواها الأدبي في الحضارة إلى حد عظيم ولكن يوجد بجانب هذا أمر آخر ذلك أنه في بلاد كهذه حيث القوة هي الحق، وحيث نرى أسلوب الحياة الأولى يحيز للأيد امتلاك ما يريد، ومن استطاع مقاومته احتفظ بنفسه، في مثل هذه البلاد كان عجيباً ألا يندثر الجنس الضعيف (النساء)
أما عادة الجاهلية في وأد البنات أحياء فترجع - كما يظهر لنا - إلى المجاعات الجمة التي كثيراً ما تمنى بها بلاد العرب نظراً لقلة سقوط الأمطار، وكذلك إلى محافظة موهومة على الشرف، وكان الآباء يظنون أن يطعموا أفواهاً ليس لها من قيمة الحياة كما كانوا يخشون أن يجلبن لهم العار إذا سُبين في حرب، ومن ثم كانوا يعدون ولادة الأنثى خطباً كما نتبين ذلك مما ورد في القرآن (ويَجعَلونَ لله البنات سُبحانهُ ولهُم ما يشتَهوُن، وإذا بُشِّرَ أحدُهُم بالأنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَداً وهوَ كظيم، يتَوارى منَ القومِ مِن سُوء ما بُشِّرَ بِه، أيُمسكه عَلى هُونٍ أم يَدُسهُ في التَراب، ألا ساءَ ما يَحكمون)
ويقال في أمثالهم (تقديم الحرم من النعم) وقولهم (دفن البنات من المكرمات)