لون المصريون كل ما تركوه بمقابرهم وأهرامهم ومعابدهم بألوان صناعية اتخذوا بعضها من الأرض. هذا عندما كانت من الحجر الجيري أو الرملي، أما في الحالات الأخرى حيث كانت من حجر الجرانيت الوردي أو الأسمر. أو حجر البازلت أو الديوريت أو السربنتين، فإنها تركت بدون تلوين اكتفاء بلونها الطبيعي. على أنه من المناسب أن اذكر شيئا عن الألوان الصناعية وكيفية عملها، فاللون الأبيض كان من الجبس المخلوط ببياض البيض أو العسل، والأصفر من الصنوبر أو الطفل، والأزرق من مسحوق حجر الزبرجد أو من سلفات النحاس، أما الأسود فكان من مسحوق العظام المحروقة.
وإذا وجدت تماثيل خشبية أو حجرية من التي تقبل امتصاص الألوان وكانت غير ملونة؛ فان هذا راجع في الغالب إلى زوال الألوان بمرور القرون، أو لأنها تركت قبل إتمامها لطارئ لم يكن في الحسبان.
من هذا ترى أن الصلة بين النحات أو المثال وبين المصور أو بين المنمق كانت قوية وضرورية لإكمال الإنتاج الفني، وكان هذا من أهم العوامل التي مهدت السبيل إلى وجود شبه عظيم في تكوين كل من التماثيل والمصورات، بل إنك لترى ما هو اكثر من ذلك، إذا قارنت التماثيل بالمصورات من حيث الفكرة والإنشاء، فتقف حينئذ على مدى ارتباط كليهما بالآخر من حيث الناحية الفنية، والمنهجية، نعم كانت المنحوتات والتماثيل مجسمة، على حين كانت المصورات نصف بارزة أو محفورة أو مسطحة، فكان هذا دافعا إلى تصويرها من الجانب، ولعله من الضروري أن أشير هنا إلى حالة شملها النحت النصف البارز والمحفور كما شملها التصوير، ولم تكن تعرف ولم تشاهد إلا في الفن المصري وحده. هذه الحالة التي تعد طابعا مميزاً تتلخص في أن المصور جعل تصويره للإنسان كما لو كان ناظراً إليه من الجانب لمجموع الرأس والساقين والقدمين، وكما لو كان مشاهداً إياه من الأمام للعينين والصدر واليدين، فهذا رغما عن أنه خطأ، إلا أنه استمر طوال أيام الفن المصري كله منذ بدأه حتى نموه وازدهاره الذي أعقبه الانحطاط والانحلال، إلا في بعض الأحيان التي لا يمكن اعتبارها قاعدة للفن من ناحيته العامة، ولم يعرف للآن شيء عن الدافع لهذا اللهم إلا إذا كانت العينان والصدر واليدان أهم ما في جسم الإنسان من أعضاء في اعتبار المصريين إجمالا أو في نظر الفنانين على وجه الخصوص.